بيار أبي صعب
في دوامة «معرض الكتاب»، وقف المارد الأسمر والنحيل ذات شتاء قاهري يتكلّم بهدوء آسر، عن ألف ليلة وليلة. كان ذلك أواسط التسعينات على الأرجح، في عزّ حماسته لمشروع «الذخائر» لإعادة إحياء نصوص تراثيّة عريقة. ولم أسامح نفسي على تأخري كل ذلك الوقت في اكتشاف خيري عبد الجواد.
انشغل خيري بأشكال السرد التقليديّة، واحتمالات إعادة توظيفها بنفَس حداثي ومن منطلقات معاصرة. هذا ما سارع إدوار الخراط إلى اكتشافه، مُستقبِلاً بحماسة مجموعة عبد الجواد القصصيّة الأولى «حكايات الديب رماح» (1987) التي تلتها «حرب أطاليا». هذا الكاتب المفتتن بالرجعيّة الشعبيّة، تغيّرت حياته مراهقاً حين وقع على كتاب منزوع الغلاف، ضاع في متاهاته (بالمعنى البورخسي) ولم يخرج منها بعد ذلك. افتتن خيري عبد الجواد بـ«ألف ليلة وليلة»، والسيَر الشعبية، وحكايات الجان... لكنّ ابن «حي بولاق الدكرور» لم يكن مثقّفاً يكتب عن الشعب، بل أحد أبنائه الذين رضعوا من الثقافة العشوائية وعبّروا عنها في كل كتاباتهم.
على خطى جمال الغيطاني ـــــ إنما بأدواته الخاصة ـــــ استلهم الأشكال والقوالب التقليديّة، ليكتب بلغة مركّبة نصّاً راهناً ومعاصراً: من روايته الأولى «كتاب التوهمات» (1992) ذات المرجعيّة الصوفيّة، إلى «العاشق والمعشوق» (1995) التي صنعت شهرته الفعليّة (مترجمة بالفرنسيّة عن «دار غاليمار»)، حيث يعثر الراوي على مخطوطة مسحورة، يصاب من يقرأها بلعنة السفر، بحثاً عن صاحبتها... من يصدّق أن هذه التجربة الاستثنائيّة المشرّعة على «الواقعيّة السحريّة»، لن يكتب لها أن تكتمل؟ الروائي المصري خيري عبد الجواد (24/7/1960 ـــــ 22/1/2008) قضى قبل أسبوعين ضحيّة خطأ طبي في أحد مستشفيات القاهرة حيث لجأ نتيجة ارتفاع مفاجئ في نسبة السكري! وفي رواية أخرى أنّه حمل مخطوطاته ومضى للقاء «عفريت الجبل»، أو عفريت الحكاية!