strong>محمد عبد الرحمن
اكتفَوا لسنوات بجماهيرية التلفزيون، ثم قرروا فجأة العودة إلى السينما: محمود ياسين في «الجزيرة»، يوسف شعبان في «ساعة حظّ»، ونور الشريف في «مسجون ترانزيت»... الشاشة الكبيرة تُصالح الكبار، فهل تصيب «العدوى» يحيى الفخراني وحسين فهمي وصلاح السعدني والآخرين؟

لم يركّز النقاد، خلال تناولهم فيلم «الجزيرة» لأحمد السقا والمخرج شريف عرفة، على جودة الشريط والعناصر الفنية المتكاملة التي جعلت العمل يحقق أعلى الإيرادات خلال موسم الأضحى الماضي (اقترابه من 20 مليون جنيه/ حوالى 3 ملايين و600 ألف دولار)... بقدر ما شُغِلوا بعودة محمود ياسين إلى السينما بعد غياب أكثر من ثماني سنوات. صحيح أنّ بعض هؤلاء انتقدوا سوء معاملة أسرة الفيلم للممثل المعروف، وخصوصاً بالنسبة إلى صورته على الأفيش. لكن ياسين فاجأ الجميع بأنّه راضٍ كلّ الرضى عن أهل «الجزيرة»... نجمُ السبعينيات الأول، الغائب منذ آخر أفلامه «فتاة من إسرائيل»، أراد أن يكون صادقاً مع الصحافة والجمهور. هو رددّ كثيراً أنّ السينما «فنّ شاب»، وأنّه ونجوم جيله أخذوا حقهم قبل عقود. بالتالي، عندما عاد في دور خاص جداً، لم يهتم بالأفيش الذي تصدّره لسنوات طويلة، يومَ كان أبطال «الجزيرة» أطفالاً.
خلاصة القول: لقد عاد محمود ياسين إلى السينما. شريف عرفة لم يرَ غيره لدور الوالد الذي يعلّم ابنه كيف يخلفه في زعامة القرية الصعيدية (يعمل في تجارة المخدرات)... والمخرج المخضرم كان محقاً، فسينما الشباب لم تتعامل مع الكبار إلا من خلال الكوميديا. لهذا، لم يستمرّ على الشاشة الكبيرة من الجيل السابق إلا حسن حسني. أضف إلى ذلك أنّ سيادة الكوميديا في السنوات الأخيرة، لم توقع المخرجين في مأزق البحث عن ممثل كبير، يجسّد دور زعيم القرية. لذا، عندما اتجهت السينما إلى الموضوعات الجادة، اضطر صنّاعها لإنعاش ذاكرتهم، وبدأوا البحث عن النجوم المخضرمين الذين اشتكوا مراراً وتكراراً من افتقار الوسط السينمائي إلى أفلام تليق بخبرتهم وعمرهم. هؤلاء كانوا يذكّرون دوماً بأنّ فريد شوقي ورشدي أباظة وزكي رستم ومحمود المليجي، وقفوا إلى جوارهم أيام بطولاتهم الأولى. بينما ابتعد جيل محمد هنيدي منذ البداية، عن أيّ سيناريو يتطلّب الاستعانة بالمخضرمين.
لكن هل كان ظهور محمود ياسين في «الجزيرة» استثناءً؟ قد تكون الإجابة لا، فالمشهد السينمائي اليوم، يؤكد عودة الكبار تدريجاً إلى الشاشة الفضية، وخصوصاً أولئك الذين اتجهوا في السنوات الأخيرة صوب التلفزيون، بحثاً عن الاستمرارية. هكذا، أعرب الممثل الكوميدي محمد سعد عن سعادته بمشاركة يوسف شعبان في فيلمه الجديد «ساعة الحظ». وفيه، يسعى سعد إلى تقديم صورة مختلفة عن امتدادات شخصية «اللمبي» التي قدّمها على مدى ست سنوات. ذلك أنّ سعد استعان أولاً بالمخرج عمرو عرفة، ثم حرص على انضمام يوسف شعبان إلى فريق العمل. وهذا يعني أنّ السيناريو جيد، فالممثل المخضرم العائد من العزلة، لن يعود إلى الشاشة لمجرد الحصول على أجر مقبول، علماً بأنّ شعبان كان قد أكد أنّه يفكر جدياً في الاعتزال بسبب غياب العروض التي تكفل له الحفاظ على مكانة، وصل إليها بعد أربعين عاماً من التمثيل. وفور إعلان قراره، سارعت محطات عدة لاستضافته، بينها برنامج «المسلسلاتي» على شاشة «النيل للدراما». وخلال اللقاء، اتصل الجمهور بكثافة، فأثّر ذلك بشدة في شعبان الذي أعلن تراجعه عن القرار. وإذا به يعود اليوم إلى السينما بعد غياب 12 عاماً، أو بشكل أدق، مع انطلاق جيل محمد هنيدي...
وبعد ياسين وشعبان، جاء دور نور الشريف. وهذا الأخير لم يغب عن السينما تماماً، لكنّ حضوره تعزّز مع مشاركته أخيراً في أفلام أحدثت الضجة: «دم الغزال» و«عمارة يعقوبيان» وقريباً «ليلة البيبي دول». وأخيراً، وافق الشريف على المشاركة بدور رئيسي في فيلم أحمد عزّ الجديد «مسجون ترانزيت». ويبدو أن النجم الوسيم ركب أخيراً موجة المطالبين بظهور الكبار في أفلام الشباب، فراح يبحث عن سيناريو يشترط ذلك.
وكان كمال الشناوي قد شارك هاني رمزي قبل عامين بطولة فيلم «ظاظا»، وأدى دور رئيس جمهورية. آنذاك، اشترط رمزي في سابقة، وضع اسم الشناوي في مقدمة الفيلم قبل أي ممثل آخر، بمن فيهم البطل «ظاظا».
من هنا، يبدو حرص النجوم الجدد على تدليل الكبار عاملاً مهماً لإقناعهم بمواصلة مشوارهم السينمائي، وخصوصاً أنّ بعض الممثلين المخضرمين مثل أحمد خليل وخيرية أحمد قاطعوا السينما بعد ظهورهم بشكل متقطع، عازين ذلك إلى قلّة احترام تاريخهم الفني من بعض العاملين في الأفلام السينمائية، وخصوصاً أولئك الذين يكرّسون مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت النجم»، وعمدهم إلى حذف أي مشهد لا يخدم ظهور البطل الأول على الشاشة، لأطول فترة ممكنة. وسط كل ذلك، يبقى السؤال: هل ينجح نور الشريف ويوسف شعبان، كما نجح محمود ياسين؟ وهل سيشجع ذلك آخرين مثل يحيى الفخراني وصلاح السعدني وحسين فهمي للعودة إلى السينما، بعد سنوات قضاها كل منهم حبيس الأعمال التلفزيونية، والرمضانية تحديداً؟