strong> محمد شعير
•«ملتقى القاهرة» يحاكم الجنس والنقد و... الكتابة الجديدة

«الملتقى الرابع للرواية» توّج مساء أمس الكاتب المصري إدوار الخراط... لكن التظاهرة التي ضمّت بعض أبرز الأدباء والنقاد العرب، لم تقدّم أي إضافة على المستوى النظري أو الإبداعي، ولم تنجح في طرح قضيّة جماليّة أو فكريّة جديدة


فجأة، توقفت الروائية اللبنانية علويّة صبح عن الحديث لتستمع إلى مداخلة الروائي السوري خيري الذهبي. قال: «إنك تركّزين في كتاباتك على الجنس، وهو غير هام في حياتنا، لا يستغرق سوى ربع ساعة. فلماذا نخصص له كل هذه الصفحات؟». مفاجأة ألجمت جميع الحاضرين في القاعة. بينما واصل الذهبي: «ننام يومياً 8 ساعات، ونمضي ثماني أخرى في العمل، بينما نقرأ ونكتب في الباقي. ولن يبقى سوى ربع ساعة فقط للجنس». تعالت ضحكات المشاركين في القاعة، بينما لم تجد صاحبة «دنيا» سوى جملة واحدة ترد بها عليه: «قد تكون تلك هي مشكلتك الشخصية لا تعني الآخرين»!
الحكاية التي ذكرناها واحدةٌ من الحكايات الكثيرة والعديدة التي شغلت حضور «الملتقى الرابع للرواية العربية» الذي اختتم أعماله أمس في القاهرة، بتتويج إدوار الخرّاط. صاحب «ترابها زعفران» هو الفائز السعيد بجائزة شغلت الجميع طيلة أيام المؤتمر. حتى إنّها قد تكون غطّت على السياسة التي حضرت بقوة في مناقشات الملتقى منذ البداية، عندما أعلنت الناقدة اللبنانية يمنى العيد أنّها قادمة من «قلق لبنان الخائف على مصيره». العيد لجأت إلى الرواية تطلب منها العون «لكي تكون لنا عوالم في أوطاننا أكثر حقيقة وعدالة وسلاماً، عوالم لا تُهدَّد فيها حياتنا كل يوم».
لكن، هل تستطيع الرواية أن تقدّم العون الكافي؟ الروائيون العرب وقّعوا في نهاية المؤتمر بياناً تضامنياً مع الشعب اللبناني، عبروا فيه عن «قلقهم إزاء ما يجري من نزاعات وأحداث تشي بفتنة بين مواطني البلد الواحد، وتعيد إلى الأذهان سنوات الحرب المدمرة». ربما يصل البيان إلى مَن يهمه الأمر! لكن هل ثمة جديد على جبهة الملتقى الرابع الذي استمر أربعة أيام من المناقشات المستمرة؟ لا شيء تقريباً.
كان الرهان على «وجوه جديدة» و«أفكار أكثر جدة»... لكنّ ما حدث هو الخطأ نفسه الذي تقع فيه كل دورة جديدة من دورات هذا المؤتمر. «الجائزة» التي ينشغل بها الجميع من الأدباء والنقاد الضيوف إلى الإعلاميين، وإذا بلعبة التكهنات تشغل الجمهور عن الندوات والمناقشات. لذلك، فإن الرهان ــــ كما قال الشاعر العراقي سعدي يوسف تعليقاً على الصراع نفسه أثناء مؤتمر الشعر السابق ــــ أن يغيّر المجلس آلية منح الجوائز. أي أن تُعلن الجائزة في الافتتاح لا في الختام، لأنه لا تنافس في الجمال، ما قد يتيح وقتاً يتفرّغ خلاله المشاركون للجلسات النقدية. كما أنّه سيتيح لـ«لجنة التحكيم» وقتاً أكبر للمفاضلة، وخصوصاً أنّ التسريبات الآتية من «المجلس الأعلى للثقافة» تؤكد أنّ الوزير أصدر قرار تشكيل اللجنة قبل ساعات من بدء فعاليات المؤتمر، وأن تلك اللجنة وصلت قبل ثلاثة أيام لتقرّر مَن يفوز بالجائزة. وهي فترة ليست كافية لتناول نتاج كل الروائيين المرشحين.
الهجوم على النقد كان أبرز ما شهده المؤتمر. إذ وصفت الناقدة المصرية فوزية رشيد بعض الروايات التى اشتهرت أخيراً بأنّها «روايات صابونية»، وقد عزت انتشار هذه الظاهرة إلى غياب النقد الجاد.
من جهته، فجر الناقد محمد بدوي قنبلةً عندما أشار في طاولة مستديرة بعنوان «أسئلة الكتابة الروائية» إلى أنّ هناك نقّاداً، مثل جلال أمين ومحمود أمين العالم ويحيى الجمل، يخلطون عن قصد بين السياسة والنقد الأدبي، وأنهم يرتكزون بالأساس إلى خبراتهم التي لها علاقة بالسياسة أكثر من الأدب... ثم يستندون، فوق ذلك، إلى الـ«بريستيج» العلمي.
وهاجم بدوي الاتجاهات الجديدة في الرواية، متشككاً في قدرة أصحابها على الاستمرار. وخلص إلى هذا الحكم الصارم: «لا يوجد ما يُسمى رواية جديدة، بل حالة تململ من الأشكال التقليدية في الكتابة الروائية، ومن السلطة الاستبدادية». وإذا كان بدوي قد نفى وجود أي «كتابة جديدة» في الأدب العربي الراهن، فإن عدداً من المشاركين في الندوات وحلقات النقاش ذهبوا في مداخلاتهم في المنحى نفسه. الروائي السورى خالد خليفة تساءل: «كيف نتحدث عن رواية جديدة في مجتمع يعود إلى بداوته وأصوليته» وأضاف خليفة المرشح لجائزة «بوكر» العربية: «الرواية الجديدة بلا هوية عربية، وتفتقد لفن السرد». وهذا الأمر استفزّ الروائية سلوى بكر فردّت عليه: «خليك في نفسك يا أستاذ خالد»... بينما عزت بكر خلال مداخلتها ارتفاع مبيعات الرواية العربية بغض النظر عن قيمتها إلى «ثقافة السوق التي باتت تتحكم في حياتنا الأدبية».
الناقد والروائي الجزائري واسيني الأعرج تناول أيضاً أزمة النقد التي أدت إلى ظهور ما سمّاه: «نقد الهوامش على المقاهي وفي تجمعات المثقفين».
وربما تطرقت مداخلات النقاد نفسها إلى هذه الأزمة. إذ أشار الناقد محمد برادة إلى أنّ النقد العربي لا يملك مقاييس موضوعية لتعريف مصطلح الرواية الجديدة، أو للتمييز بين الجديد والقديم. وحدد برادة بداية مصطلح الرواية الجديدة في مرحلة ما بعد نكسة الـ67، حين انشقّ الأدب عن بقية الخطابات الإيديولوجية. كما تحدث الناقد فيصل درّاج عن التحوّلات الاجتماعية مقابل التحوّلات الروائية. وأكّد أنّ الرواية العربية تعتبر ذاكرةً قوميةً صادقةً، وذاكرةً معرفيةً تنتصر في ظل الديموقراطية... مستدركاً أن الرواية العربية طورت نفسها فى إطار القمع. ورأى دراج أن فترة الثمانينيات وحتى 2000 مرحلة مخاض، كان كل ما فيها غير واضح، وهو ما جعل الرواية تتجه إلى صيغ جديدة.
أمّا الناقد السوري بطرس الحلاق، فقد أقحم جبران خليل جبران في الموضوع، معتبراً أن ما كتبه صاحب «النبي» بالإنكليزية ليس فنّاً روائياً، رغم نزعته الصوفية وتضمينه للتراث الإسلامي والمسيحي. ولم يوضح حلاق ما يقصد، إذ أشار إلى أنّه سيتحدث عن ذلك باستفاضة في كتابه المقبل!
ورغم عدم الاتفاق على تحديد مفهوم الرواية الجديدة، شهد الملتقى مناقشات حول «الرواية الرقمية»... التي اعتبرها الناقد سعيد يقطين نوعاً جديداً من الأدب، لا ينتَج (بفتح التاء) ولا يتابَع إلا عبر شاشة الكومبيوتر. وقدّم الكاتب الأردني محمد سناجلة لتجربته، عارضاً على الحاضرين رواية تشات، استخدم في بعض أجزائها المؤثرات الصوتية والصور المتحركة.
أما الروائي السوري نبيل سليمان، فقد رفض التسمية، وتساءل عن مدى صوابية الفكرة القائلة باستحالة التعبير عن الواقع الجديد من خلال الأجناس الأدبية القديمة. وانتهت النقاشات الصاخبة بتساؤل عن موت الرواية، لتحلّ المدوّنات محلّها في الأيّام المقبلة!



«ابتكر اتجاهاً جديداً في الكتابة العربية...»

تسلّم أمس الروائي إدوار الخراط «جائزة القاهرة للإبداع الروائي» (18 ألف دولار) في ختام الملتقى الرابع للرواية، ليكون أوّل مصري يفوز بالجائزة. وقد سبقه إليها الراحل عبد الرحمن منيف والطيب صالح، فيما رفضها صنع الله إبراهيم. وقد أشارت لجنة التحكيم التي رأستها الناقدة اللبنانية يمنى العيد (وضمّت ابراهيم فتحي، الياس فركوح، بطرس الحلاق، سعيد يقطين، عبد المنعم تلّيمه، فاطمة المحسن وأحمد المجاهد) إلى أنّ الخراط «ابتكر اتجاهاً جديداً في الكتابة العربية وكان له مع الوقت أثره في تكوين جيل جديد من الروائيين العرب». وشكر الخرّاط أعضاء لجنة التحكيم قائلاً إنّ «الجائزة تعويض للكاتب الذي يظلّ وحده، لكنّه وسط الناس» وألقى ما يشبه محاضرة طويلة عن تاريخ الرواية العربية.
ويعد الخراط (1926) في الإسكندرية من أغزر المبدعين العرب إنتاجاً، كما أنّه من المغامرين الأوائل الذين أسهموا في مجالات الإبداع كافةً. كتب الخراط حوالى 15 رواية من بينها «رامة والتنين» و«الزمن الآخر»، إضافةً إلى مجموعات شعريّة وقصصية عدّة. كما أنّه قدّم عدداً من الأعمال المهمة في الترجمة أشهرها «الحرب والسلام» لتولستوي. وللخراط حضور على خريطة الفنّ التشكيلي، إضافة طبعاً إلى إسهاماته المرجعيّة في المجال النظري، إذ واكب ناقداً مختلف أجيال الأدب في مصر والوطن العربي. وأسهم في تأسيس مجلة «غاليري 68» التي لعبت دوراً أساسيّاً في إلقاء الضوء على التيارات الجديدة في الأدب المصري.