الجزائر ــ بشير مفتي
في صيف 2003، كان الروائي أمين الزاوي الذي تسلّم آنذاك إدارة المكتبة الوطنية الجزائرية، أول من جرؤ على كسر الحظر الرسمي الذي أطبق على جان سيناك منذ مقتله عام 1973. نظم الزاوي في فضاء المكتبة الوطنية يومين دراسيين عن سيناك في الذكرى الثلاثين لاغتياله. شاركت في تلك التظاهرة أسماء بارزة، جزائرية وفرنسية، وقُدّمت فيها مداخلات بالعربية والفرنسية، وتضمّنت قراءات لمختارات من أشعاره مُترجمةً لأول مرة إلى لغة الضاد. وكانت تلك الترجمات التي أنجزها محمد بوطغان بداية مشروع أبصر النور أخيراً، وتمثّل في أول كتاب يضم أشعار سيناك مترجمةً إلى العربية بعنوان «شموس يحيى الوهراني» (مطبوعات المكتبة الوطنية الجزائرية). ومعروف أن توقيع سيناك الشخصي كان على شكل شمس (راجع مقالة رشيد بوجدرة). أما يحيى الوهراني، فقد كان أحد الأسماء المستعارة المتعددة التي كان يذيّل بها أشعاره.
يقول محمد بوطغان عن هذه التجربة: «كانت ترجمة أشعار سيناك بالنسبة إليّ تجربة رائعة وآسرة. أتاحت لي الاطّلاع على جماليات الكتابة الملتزمة لديه، كما في قصيدة «نشيد جنائزي إلى إفرنجي» أو قصيدة «الأيدي والأرجل المربوطة». لكنّني حين ترجمتُ أشعار سيناك، لم أكن أتصوّر أنني أول جزائري يُقدم على ذلك».
الشاعر والباحث حميد ناصر خوجة كتب دراسات عدة عن تجربة سيناك ومنها كتاب بعنوان «ألبير كامو وجان سيناك: الابن المتمرد» ستصدر ترجمته العربية قريباً في الجزائر. يقول خوجة: «تعرّفت لأول مرة إلى سيناك، عام 1969، ولم أكن حينها أتجاوز الـ17 من العمر. كنتُ أستمعُ باهتمام إلى برنامجه الإذاعي «أشعار على كل الجبهات». وكان هو يشجعني، ويقرأ مقاطع من نصوصي في ذلك البرنامج. كما أننا كنا نتراسل بانتظام، وأضاف اسمي لاحقاً إلى قائمة أعضاء ناديه الأدبي، بوصفي أحد الشعراء الذين كان يعتبرهم واعدين آنذاك».
أما عن مقتل سيناك، فيكتفي خوجة بالقول إنّه راح ضحية جريمة مدبّرة، حاكتها أطراف في السلطة. لكنّه يرفض الخوض في تفاصيلها وحيثياتها، بحجة أنّ الوقت لم يحن بعدُ للكشف عنها، رغم مرور ثلث قرن على تلك الجريمة!
بعد كل تلك السنين من الصمت والتغييب، ها هو سيناك يطل مجدّداً بروحه المشاكسة، ليعانق حساسيات شعرية جزائرية جديدة تحاول تحدي الرقابة، والانعتاق من عهود القمع وسنوات الحصار. ولا شك في أنّ السماح ــــ أخيراً ــــ في الجزائر بعرض الفيلم الروائي الذي أنجزه السينمائي عبد الكريم بهلول عن ظروف مقتل سيناك، بعنوان «الشمس المغتالة» (2003)، سيكون مناسبة ليدعو أقرانه الجزائريين، إلى إعادة فتح ملف مؤامرة اغتياله، وتسليط الضوء على تلك الجريمة المريبة التي يكتنفها الغموض، منذ ثلث قرن.