عبادة كسر
الكلام على النمو الاقتصادي والتنمية لا ينفكّ يتزايد في الدول المتقدّمة وفي تلك النامية. من خلال كتابين صدرا عن «دار الفارابي»، الأول بعنوان «موضوعات وقضايا خلافية في تنمية الموارد العربية، مقاربة اجتماعية ـــــ اقتصادية» والثاني «حول معوقات التنمية في لبنان، مقاربة اجتماعية ـــــ ثقافية»، يظهر الباحث أحمد بعلبكي أنّ تكاثر الكلام على النمو والتنمية لا يعني تزايد التوافق على مضامين هذين المفهومين. فهذه المضامين ترتبط بالتنازع بين الطبقات التي تسيطر على الموارد والثروة والسلطة من جهة، وبين الفئات والطبقات التي تُحرم منها من جهة أخرى.
يطرح بعلبكي في الكتاب الأول نظريات معاصرة في النمو والتنمية: التنمية الوطنية وعلاقتها بالتنمية المحلية، الأطراف المعنية بإدارة التنمية وأساليبها، العوامل غير الاقتصادية التي تحكم التنمية الوطنية والمحلية. واختتم الفصل الأوّل من كتابه بقضايا العولمة والتنمية.. فيما احتلت المقاربات النظرية والحقلية للأبحاث التنموية حيزاً كبيراً من الباب الثاني الذي تعرّض للقضايا الساخنة مثل التحولات العالمية وحدود التكيف والمغالبة في التركيبات الاجتماعية لبلدان الجنوب.
أمّا في «حول معوقات التنمية في لبنان، مقاربة اجتماعية ـــــ ثقافية»، فحاول بعلبكي عبر مقاربة ميدانية اجتماعية ثقافية الربط بين الثوابت السياسية والاقتصادية والثقافية التي حكمت تشكّل الكيان اللبناني من جهة، وبين الانفعالات الإيديولوجية المتمثلة في طروحات الإنماء المتوازن وتوسّع القطاع التعاوني في تنمية الزراعة والأرياف وأيضاً في شعارات مواجهة التمييز ضد المرأة الريفية على سبيل المثال، وكذلك في التوجهات الحكومية والحزبية في مجال إعادة الإعمار والتنمية المناطقية في الجنوب والبقاع على سبيل المثال لا الحصر.
اشتمل الكتاب على فصول تناولت صعوبات التنمية في الكيان والدولة، ورأى الكاتب أنّ الأزمة في لبنان ناجمة عن نمو بلا تنمية، مقدّماً إجابته عن سؤال «لماذا نقول تحصين الكيان اللبناني في تنمية أريافه؟ وتنمية الزراعة في تطوير التعاونيات؟» من خلال دراسة نماذج وحالات.
وأخيراً عرض بعلبكي مشكلات مناطقية في التنمية تحت عناوين مختلفة مثل «أي جنوب، وأي تنمية؟» معتبراً أنّ تحرير الجنوب اللبناني لا يعني بالضرورة تنمية، وذلك باختزال مفهوم التنمية إلى مفهوم المقاولة.
وعند الحديث عن المشاريع التي نُفِّذت في الجنوب، يفرّق الكاتب بين المشروعات المتناثرة في ترميم شبكات البنى التحتية وتوسيعها وإضافة أبنية إلى مرافق عامة في القرى التي تحتاج لها فعلاً فتنفّذ أحياناً بالتراضي، وأحياناً بالمقاولات البعيدة عن أي مشاركة أو متابعة للإدارات والمنظمات المحلية، وبين البرامج والمشاريع المتكاملة في تنمية الموارد الطبيعية والبشرية في مختلف القطاعات الإنتاجية بهدف إعادة إعمار المناطق بمشاركة المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنيّة محلياً.