عمّان ــ ديالا خصاونة
تبدأ عزّة الحسن شريطها الوثائقي الجديد «دايما... إتطلعي بعيونهم» بقصّة الكاتب الفلسطيني إميل حبيبي الذي عاد أدراجه إلى منزله بعدما قرّر عدم الرحيل مع الجموع الهاربة على السفن، بعيداً عن شاطئ مدينته حيفا. لكن عندما دخل بيته، وجد يهوديّاً بريطانيّاً فيه. وقف الرجلان متواجهين، لا يشتركان في لغة... فيما مصيراهما يتقرران في تلك اللحظة.
تبحث المخرجة الفلسطينية الشابة في مسألة التواصل وأشكاله بين هذين الرجلين، بين هذين الشعبين اللذين باتا منذ تلك اللحظة عدوّين لدودين. إلّا أنّ اللقاءات على الحواجز وعند الجدار وفي السجون والمعتقلات، كلّها أشكال من التواصل. لكنّ المشكلة ــــــ كما تقول عزّة ــــــ أنّ أنواع التواصل هذه غير متكافئة، فهي محمّلة بالرعب والقهر والظلم، يشعر الفلسطينيّ فيها بالدونيّة، بينما تعمد عزّة في مشاهد فيلمها إلى تغيير ذلك.
الفيلم الذي عُرض أخيراً في «مسرح البلد» في عمان، حضره جمهور بات يعرف عزّة الحسن جيداً. هذه السينمائية الشابة (1977) التي أسّست شكلاً جديداً في صناعة السينما الوثائقية الفلسطينية، نال فيلمها «ملوك وكومبارس» (2004) جوائز عدّة.
بيروت كانت حاضرة أيضاً في القاعة من خلال شخصيّة أبو الريش. ذلك الرجل ذو اللحية الشقراء الذي جال شوارع بيروت بسترته العسكريّة المتسخة وأوسمته المتعددة ودخان سجائره الكثيف. ومع الوقت، صار جزءاً من المشهد اليومي إلى أن اختفى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من بيروت عام 1982 ليظهر ثانية على شاشات التلفزيون في زيّ الجيش الإسرائيليّ، ليبدو أنّه كان جاسوساً!
ترى عزّة وجود هذا الرجل وتجواله في الشوارع واستعطافه المارّة وتبادله أطراف الحديث معهم على مدى سنوات شكلاً من أشكال التواصل. تتنقّل عزّة من مشهد إلى آخر بحثاً عن قصص تخصّ أبو الريش. هكذا، تسأل عنه الجيش الإسرائيليّ على إحدى النقاط العسكريّة عند الجدار... ثم تسأل ليلى خالد، أيقونة الثورة التي وضعت اسم فلسطين على خريطة المشهد السياسي اليومي في 1969 و1970 بخطفها طائرتين. كما تسأل أصدقاء ومعارف عن تلك الشخصيّة.
كما في أفلامها عادة، يبرز حضور عزّة في الفيلم حضوراً شخصياً. تتحدّث وتسأل وتحاور وتعلّق من خلف الكاميرا، بصوتها ذي اللهجة العمّانيّة والبحّة الخفيفة. يصبغ وجودها الفيلم بصبغة شخصيّة، تحمل كاميرتها وتمشي. كأنّ عزّة كاتبة النص والمخرجة والمصوّرة، تبحث عن أسئلة تخصّها... وتذهب في رحلات وتكوّن علاقات وتضيع فتجد طريقاً، ما يحرّر الفيلم من الخطابيّة وأيّ ادّعاء للموضوعيّة.
«دايما... إتطلعي بعيونهم» يبتعد عن التراجيديا الجادّة التي اعتدناها في الأعمال التي تتناول فلسطين. فيما المَشاهد عبارة عن مجموعة ظريفة غير متّصلة عن شخصيّات تجعل كلّ مشهد مثيراً للاهتمام. أما بطل الفيلم، فهو أوس، طفل في العاشرة يرافق عزّة في جولة حول حارته، ويعرّفها إلى كلبته الصغيرة التي لا «تسمع الكلمة» إلّا بالعبريّة! وأوس هو الوحيد الذي يصدّق قصّة عزّة عن أبو الريش. أما الشرطيّ الذي يؤدي رقصاً معاصراً، وسط سيل سيّارات في إحدى شوارع وسط البلد في رام الله، فهو صورة تتوّج غرائبيّة عالم عزّة الذي تعرّفنا إليه في أعمال سابقة._