strong> صباح أيوب
حربُ تموز على الشاشة مجدداً، لكن هذه المرّة عبر مشاهد حيّة لم تنقلها وسائل الإعلام خلال 33 يوماً من القصف المستمر: إنها شهاداتٌ لمن عايشوا الحرب في الجنوب، ثم استعادوا تلك المشاهد (التي لم تمحَ من ذاكرتهم أصلاً) في فيلم مصوّر، عرض عليهم بعد سنة من العدوان.
كيف كانت ردّة فعل من شاهد منزله يدمّر في ثوان؟ أو ذلك الذي تابع في الشريط، كيف لقي أفراد عائلته حتفهم، بعدما غدرت بهم صواريخ العدو؟ لماذا أراد المخرج أن يعيد إحياء تلك اللحظات؟ وهل هي وسيلة للتعويض عن فرصة فاتته في مواكبة الحرب ميدانياً؟
تحضر هذه الأسئلة في بال من شاهد وثائقي «ذكرى خالدة» لفيليب بجّالي الذي عرض أول من أمس على شاشة «أخبار المستقبل»، ضمن سلسلة وثائقيات خصّصتها المحطة لهذا الشهر (راجع الأخبار ـــــ عدد الجمعة 11 ك2/ يناير 2008).
«هون كان في بيت، وهون كان في بيت. هون كان في مطحنة، هون كان بيت خيّي، وهون كان في دكّان». ركام وأراض محروقة وأكوام ترابية أينما ذهبت. هذا هو السيناريو الواقعي الذي اختاره بجالي ليستهل به شريطه، ويختتمه أيضاً: المشهد نفسه لإحدى القرى الجنوبية التي عرفت قصفاً عنيفاً وعشوائياً، لم يستثن أحداً أو شيئاً. على خطى أحمد بكري، ابن صدّيقين الذي حمل كاميرته الخاصة وصوّر بها يوميات الحرب، بدأ الفيلم ليُدخل المشاهد لاحقاً في لعبة الماضي والحاضر، عبر المزج بين الواقع اليوم، وصور القصف والدمار والناجين والضحايا. نبشٌ لدفائن الذاكرة واستحضارها أمام كاميرا الهاوي (بكري) والمصوّر الصحافي (لطف الله ضاهر)، ثم محاولة رصد لردود فعل الناس حولها بعدسة المخرج بجّالي.
لم تستطع أيّ من وسائل الإعلام التقاط يوميات مئات المحتجزين في المدارس أو المنازل تحت القصف، وذلك بسبب صعوبة التنقل آنذاك. لكن كاميرا بكري سجّلت من داخل القرية، لحظة قصف المدرسة حيث اختبأ مئات السكّان، وكيف هربوا منها بطريقة جنونية، وكيف دمّرت القرية بـ 78 غارة في يوم واحد. أما لطف الله ضاهر فكان ـــــ إلى جانب عمله الصحافي ـــــ بين النازحين من مرجعيون في الموكب الذي ضمّ 2500 سيارة، والذي قصف في منتصف الطريق، بعدما تركته القوات الدولية من دون حماية أو إنذار. تهتزّ كاميرا ضاهر ثم يعلو الصراخ ويتصاعد دوي الانفجارات المتتالية، فجأة في الظلام!
هذه عيّنة مما لم نكن نشاهده أثناء الحرب، بل كانت تصلنا عنه فقط بعض الأخبار. وهذا ما نجح بجالي في إضافته إلى ذاكرتنا التي تختزن عشرات الصور الأخرى.
هو أراد أن يقدّم جديداً، «ليس فقط بالروايات والشهادات»، بل بالوقائع أيضاً. إلا أنّ الفكرة الأساس، لم تأخذ حقّها في الفيلم. ذلك أن بجالي لم يستفض في نقله لردّات فعل السكان عند متابعتهم لتلك المشاهد، بل غرق في نقل صور الحرب، واكتفى برصد متواضع وسريع لبعض المقابلات، عوض تخصيص الوقت الأكبر لها.
«ذكرى خالدة»، وثّق للحظات نادرة من سيرة «أبطال» حرب، لديهم الكثير بعد ليقولوه، ولم يجدوا المساحة الكافية لهم في هذا الشريط!