نوال العلي
مشروع «المزاوجة التيبوغرافية» لمواكبة تطوّر الطباعة

كثيراً ما عُدّ الخطّ العربي وأشكاله أمراً متعلقاً بالفنّ والتشكيل والمعارض المقامة للحروفيين هنا وهناك، فيما ارتبط تصميمه بالطباعة وباستخدامها لغايات تجارية. لكنّ مشروع «المزاوجة التيبوغرافية للخطّ الطباعي العربي» Typographic Matchmaking الذي أطلقته «مؤسسة خط»، وضعَ مسألة استخدامات الخط العربي الطباعي برمتها موضع المساءلة. إذ نقله من جدران المعارض إلى أرض الواقع الرقمي الجديد. هكذا، برزت الحاجة إلى خطوط عربية عصرية تسهم في تحديث المطبوعات وتثري جماليّاتها أيضاً، وتنقل الخط العربي إلى مكانه المفترض بين الخطوط المطبوعة الأخرى.
بوادر المشروع نوقشت خلال مؤتمر ATypl في براغ عام 2004، وتبنّته «مؤسسة خط» برئاسة وتنسيق هدى سميتسهوزين أبي فارس التي وضعت لاحقاً كتاب Typographic Matchmaking، بعدما دعي خمسة مصمّمين هولنديين ليكوّن كل واحد فريقاً مع مصمّم عربي ناشئ أو معروف لتصميم خطوط طباعية عربية جديدة.
وعلى رغم ما يشاع عن ارتباط الخط العربي بآثار الخط اليدوي بانحناءاته وتقويساته، فهي ليست صفة حكراً عليه فقط. إذ يعتمد المصمّمون العرب والهولنديون على تقاليد فنّ الخط اليدوي للإلهام والإرشاد وتصميم الهيكل الأساسي. كما أنّ معظم العلماء البارزين ومصمّمي الخطوط الطباعية هم من أصل هولندي، لذلك وقع الاختيار على المزاوجة لتكون بين التصميم العربي والهولندي.
واجه هذا المشروع الكثير من الصعوبات. فأحد أكبر التحديات التي تواجه الخطّاطين والمصمّمين هو ابتكار تحوّل حقيقي في طريقة الكتابة العربية (لا تتعارض مع قواعدها طبعاً) تتوازن مع الأسلوب والمرونة أكثر مما تتفق مع الطراز العربي كما هو مألوف في شكل الحروفيات العربية. متطلبات السوق العالمية تحتاج بانتظام إلى تحويل الطباعة من اللغات اللاتينية إلى العربية وبالعكس، بحيث يمكن استخدام اللغتين في سياق واحد عند الحاجة بانسجام وتناغم، وذلك على نحو لا يُفقد الخط العربي مطبوعاً روحيته وجماليته وعكسه للمجتمع الذي أنتجه.
وإن كان تسارع حركة التطور في الفنون قد طال تطوّر التيبوغرافيا عالمياً، فإنّ الخط العربي تأخّر وتلكّأ كثيراً بقدر ما تأخر المصممون في أخذ زمام المبادرة وتطوير صورة الحرف العربي وتعديله ليواكب الوسائل العصرية للطباعة. وقد تُعزى أسباب هذا التراجع إلى البرودة التي قوبلت بها محاولات تجديد الحرف العربي وتطويره ليصبح منسجماً مع التطور العام من حيث الكلفة والتنوّع وجودة التصميم مقارنة باللاتيني.
من هنا، جاءت ضرورة مشروع «المزاوجة التيبوغرافية للخطّ الطباعي العربي» الذي تألّف من خمسة فرق: هكذا، صمّم كل من خيرارد أونغر ونادين شاهين خط «بيغ فستا» الذي يصلح لتنضيد الصحف. ويبدو كأنه خط كوفي معاصر من دون منحنيات. فيما صمّم فريد سمايرز ولارا أسود خوري خط «فريسكو» وهو مزيج من صلابة الخط الكوفي الهندسي وليونة الكوفي المغربي. بينما صمّم مارتن مايور وباسكال زغبي خط «سيريا» أو «صدى» الذي يتميز بوجود نوعين من الحدة في التوائه وأطرافه وبعيونه المنفتحة على خلاف معظم الخطوط العربية. وكان خط «ذوميكس» المرن والمتنوع من تصميم لوكاس دوخروت ومنير الشعراني ويتصف بخطوطه وأبعاده النسبية. أمّا بيتر بيلاك وطارق عتريسي فصمّما خط «فيدرا» الذي يصلح لتنضيد الكتب ويتسم بثباته وقوته ووضوح قراءته عند استعماله بمقاسات صغيرة، ما لم يكن متوافراً في الخطوط الطباعية العربية.
وتشير أبي فارس في كتابها الذي يطرح الإشكاليّة، ويستعيد محطات المشروع وآفاقه، إلى مصاعب كثيرة تواجه تصميم الخط العربي، كنقص المنشورات التي تحوي تعليمات بسيطة وموجزة عن كيفية تصميمه، وغياب المعايير والمصطلحات المعتمدة في التصميم. هذا فضلاً عن نقص الكلمات والجمل المعتمدة أيضاً في اختبار الخطوط، والحاجة إلى معلومات عن مواضيع تتعلق بوضوح الخطّ العربي، وغياب معايير موحدة ومشتركة بين مختلف أنظمة البرامج والكمبيوتر. وقد ناقش الفريق كل هذه المصاعب في ورشة عمل أقيمت في أمستردام عام 2006.
تقدّم الخطوط الجديدة التي أنتجها المشروع الحلول لمشاكل تصميم خطوط الطباعة العربية وتلبّي حاجات الكتابة باللغتين وتتمتع بالحجم البصري المطابق لنظيرها اللاتيني وتصميمها بوزنين، وزن عادي وآخر سميك للعناوين.
وتتمتع أيضاً بالإحساس والشكل المطابق لنظيرتها اللاتينية. هكذا، جاءت النتيجة: خطوط طباعية متطابقة باللغتين كما تؤكد أبي فارس في كتابها الذي تزامن حفل توقيعه مع معرض أقيم في غاليري «آرت لاونج»، لعدد من المصممين الشباب، حيث شارك 14 فناناً، بينهم أبي فارس نفسها، من خلال تصميم ملصقات تستخدم أنواعاً مختلفة من الخطوط الجديدة لتقول شيئاً عن بيروت.
ويبقى أن تنتشر هذه الخطوط وتُختبر على مستوى أوسع في العالم العربي من الفنانين والمصمّمين لإثبات كل ما قيل عنها، واكتشاف ما قد تفتقر إليه.

هدى سميتسهوزين أبي فارس
Typographic Matchmaking (المزاوجة التيبوغرافية للخطّ الطباعي العربي)
كتاب باللغتين الإنكليزيّة والعربيّة مع أسطوانة رقميّة
الناشر: مؤسسة خطّ
www.khtt.net