محمد عبد الرحمن
قوارب الموت تولّاها وحيد حامد، ومعاناة سكّان
المقابر في عهدة رأفت الميهي. أمّا مجدي صابر فيرصد واقع المصريين العاملين في تل أبيب! أجل، دراما القاهرة رفعت سقف التحدّي لمنافسة القضايا السينمائية الجريئة. وفي رمضان... الامتحان الأوّل


«لسنا أقلّ شجاعة من السينمائيين»... هكذا يصرخ صنّاع الدراما المصرية اليوم، بعدما بدأوا التحضير لأعمال تتناول للمرة الأولى ومباشرة، قضايا ظلّت لسنوات حبيسة صفحات الجرائد ومنصّات المؤتمرات. ذلك أنّ أرباب المسلسلات تردّدوا كثيراً في فتح الملفات الساخنة، لأسباب رقابية أو انتاجية، أو ربما بسبب تخوّفهم من عدم تقبّل جمهور «الشاشة المسلية» لهذه المواضيع الجادة. وإذا كانت أفلام سينمائية مثل «حين ميسرة» و«هي فوضى»، قد فتحت أبواباً من الجدل لم تغلق حتى الآن، فإن مؤلفي المسلسلات بدأوا السير على الطريق نفسها، معلنين عدم رضوخهم لما يطلبه المنتجون عادة من أعمال خفيفة في الموسم الرمضاني. هكذا، استهلّ العام الجديد بعرض أول لمسلسل «صرخة أنثى» على شاشة «أبو ظبي». وفيه، يطرح محمد الغيطي قضية التحوّل من ذكر إلى أنثى، من خلال قصّة التوأم عفيفة وعفيفي (تؤدي دورهما داليا البحيري). وهو يستعرض في العمل قسوة المجتمع في التعامل مع كل من يحاول تصحيح وضعه الجنسي، على رغم موافقة الأطباء وعلماء الدين. إلا أنّ هذه القضية، رغم حساسيتها، وتركيز الكاتب في تقديم كل المواد العلمية المرتبطة بها، لم تكن الوحيدة التي تتعرض لها حلقات «صرخة أنثى»: من خلال شخصية دكروري (طارق لطفي) الذي يتزوج عفيفة، يضيء الغيطي على قضية تهريب العمالة المصرية عبر البحر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، وكيف يتعرّض معظمهم للغرق أو الاعتقال. والمفارقة أن تصوير المسلسل بدأ قبل تزايد حالات الغرق في الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم. حتى إن الشاعر فاروق جويدة، نشر في صحيفة «الأهرام» الحكومية، قصيدة شديدة اللهجة في هذا الموضوع، سماها «هذه بلاد لم تعد كبلادي». والمسلسل نفسه يتناول أيضاً ختان الإناث، عبر مصرع فتاة ما زال والدها مقتنعاً بأنّ الختان واجب.
وإذا كان «صرخة أنثى» قد أفلت، ولو مشوّهاً، من مقصّ الرقابة المصرية (راجع البرواز)، فإن أعمالاً جديدة، يتوقع أن تحدث الضجة، حتى قبل عرضها. وها هو المؤلف مجدي صابر يرصد واقع المصريين العاملين في إسرائيل، في أحدث مسلسلاته «الفنار». ورشّحت صابرين لتأدية دور البطولة، على أن يشاركها كل من حسن حسني ومحمد نجاتي وفتحي عبد الوهاب. أما الإخراج فلخالد بهجت الذي قدّم العام الماضي أول مسلسل عن اغتيال علماء الذرّة المصريين («من أطلق الرصاص على هند علام؟»). في «الفنار»، يضغط صابر على الجرح المؤلم الذي فجّره وائل الإبراشي أخيراً في برنامج «الحقيقة» على شاشة «دريم». وذلك، عندما قدّم سلسلة حلقات عن المصريين المقيمين في اسرائيل حيث يعملون كأنهم في الكويت أو ليبيا أو حتى بريطانيا وكندا: بلدٌ مثل كل البلدان، لجأوا إليه في لحظة ضعف، ظناً منهم أن الارتماء في أحضان العدو، قد يكون الحل!
هذه القضية شغلت بال صابر، فقرر تقديمها في عمل يعرض تاريخ بورسعيد على مدى خمسين عاماً. وذلك، منذ وقفت «المدينة الباسلة» تصدّ العدوان الثلاثي، حتى خرج من بين أحفاد الشهداء، مَن لديه الاستعداد للعمل والعيش في تل أبيب. وفي اتصال مع «الأخبار»، أعرب مجدي صابر عن سعادته بتحرر الرقابة في تعاملها مع هذا الملف، مشيراً إلى أنّ هذه القضية في غاية الخطورة. وقال: «بعد سنوات قليلة، سيكون لدينا شباب نصفه مصري ونصفه الآخر اسرائيلي»! كما أن «الفنار» يؤكد للمشاهدين أن الحرب بين مصر واسرائيل مستمرة، خصوصاً على المستوى الاجتماعي والفكري والثقافي.
موجة القضايا التلفزيونية الساخنة دفعت المخرج المخضرم رأفت الميهي إلى خوض تجربة الدراما التلفزيونية للمرة الأولى بعد أربعين عاماً قضاها في بلاتوهات السينما، مؤلفاً ومخرجاً ومنتجاً. الميهي اختار رواية «وكالة عطية» لخيري شلبي حتى يحوّلها إلى مسلسل، رشح لبطولته حسين فهمي ومايا نصري وأحمد بدير ورياض الخولي وحنان مطاوع وأحمد عزمي ومحمد متولي. وفيه، يلقي الضوء على حياة المقيمين في المقابر، إذ تقدر الإحصاءات أن عدد المصريين المقيمين في المقابر القديمة وسط القاهرة، يناهز مليون شخص. ويعتمد الميهي على تجربة خيري شلبي الذي عاش بينهم لفترات طويلة قبل أن يكتب روايته الشهيرة. ويرصد العمل التناقضات العديدة في حياة هذه الفئة من الناس، وكيف ينظرون إلى العالم الذين يعيشون فيه وإلى المحيط الخارجي، خصوصاً أنّ معظمهم لا يعرف شيئاً عن العاصمة. ويعمل الميهي حاليّاً على اختيار أفضل المواقع التي تصلح للتصوير، لرغبته في عدم اللجوء إلى الديكورات التي يراها جيل المخرج الكبير آفة الأعمال الفنية في السنوات الأخيرة.
كذلك عادت إلى الأضواء مجدداً قضية العبّارة الغارقة «السلام 98»، إذ أكد السيناريست وحيد حامد أنّه أنهى كتابة مسلسل يدور حول الفساد المستشري في هذا القطاع. فيما أنهى المؤلف محسن الجلاد، صاحب «قضية رأي عام»، سيناريو مسلسل «اغتيال الدكتور شمس». ويطرح فيه قضية مطاردة العلماء العرب في الدول الغربية واغتيالهم إذا حاولوا نقل العلم إلى بلادهم.