باسم الحكيم
لم تبتعد طويلاً عن الشاشة، ولم تبدّل كثيراً وجهتها: من «الحرّة» إلى «أخبار المستقبل»، تؤكد بولا يعقوبيان أنّها ستخرج من زواريـب السياسـة، لمناقشـة القضايا الاستراتيجية الكبرى. وفي الوقت المستقطع، تلقّن السياسيّن دروساً في فنّ... التمثيل!

غابت بولا يعقوبيان ما يقارب عاماً عن الشاشة الصغيرة، منذ انتهاء عقدها مع قناة «الحرّة». وها هي تطلّ اليوم على شاشة «أخبار المستقبل» في برنامجها السياسي Inter-views الذي يناقش قضايا تشغل الرأي العام، وأخرى لم تأخذ اهتماماً إعلاميّاً كافياً. أثناء الحديث معها، تختار عباراتها بعناية. تشيد بمؤسسات عملت فيها وتنتقد بعضها الآخر، فإذا كسرتها في مكان لا بدّ أن «تجبرها» في مكان آخر! وبين الحين والآخر، تذكّر محاورها بأن يتوخّى الدقّة في نقل وجهة نظرها. وتذهب أبعد من ذلك، «لا تضع كلاماً في فمي، أنت من يرغب بقوله».
يحمل برنامجها الجديد معنىً مزدوجاً، فهو حواري سياسي، يتيح لها ولضيوفها معاً تقديم قراءة لما بين السطور. تشرح بأن «كلمة interviews دخلت في قاموسنا اليومي، حتى عند مَن لا يعرف لغة أجنبيّة. وبما أنني مللتُ التسميات التقليديّة، ولأن الكلمة شائعة بين الناس، اخترتها عنواناً لبرنامجي». تتحدث بحماسة عن اهتمامها بالتحضير له يوميّاً، وتجد تبريراً للأخطاء التقنيّة في القناة الوليدة. هكذا تبرّر المشاكل التي طرأت في الحلقة الماضية، حين فقدت التواصل مع الضيف ديفيد شنكر أحد صقور الإدارة الأميركيّة، وهو يحمل رأياً مغايراً لبقيّة الضيوف. كما تعذّر الاتصال بالمحلل السياسي السعودي بسبب غزارة الأمطار في الرياض، «فاضطررنا إلى أن نكمل الحلقة بأقل أضرار ممكنة». لا تنفي أنها علّقت آمالاً كبيرة على المحطة، فإذا بالواقع لا يأتي على قدر التمنّي. وتستدرك بأن «لا بد من فترة سماح، لأن الهفوات والأخطاء التقنية أمر مقبول لدى إطلاق أي قناة، لكنه لا يعود مبرراً بعد ستة أشهر» مؤكدة أن «الإدارة تتحرك سريعاً لتطويق المشاكل».
ترفض بولا ما تسمّيه «الأحكام المسبّقة» بأنّ قناة «أخبار المستقبل»، تلتزم الخطّ السياسي للقناة العامة، معتبرةً أنّ التوجه السياسي للمحطة الوليدة، «ما زال غير واضح». وتستدرك: «إذا افترضنا أنها تنحو صوب هذا الاتجاه، فهي ليست كذلك حتى اللحظة على الأقلّ». من هنا، تدافع يعقوبيان عن موضوعيّة برنامجها، وتشدد على أن «الإدارة لم تعطنا تعليمات بشأن كيفيّة معالجتنا للقضايا السياسيّة، كل ما قيل لنا أن نعمل بحرفيّة، كما أننا لا نضع فيتو على أي اسم حتى الآن، وبالتالي نحن لا نقاطع أحداً». ثم تضيف: «هذا هو انطباعي حتى اليوم، وإذا سألتني عن الأمر نفسه بعد شهرين، فقد تكون الأمور اتخذت منحى آخر، حينها أقول إننا أخطأنا التقدير إعلاميّاً».
لا تلتقي بولا يعقوبيان مع التوجه السياسي لتيار «المستقبل»، وتقول أن لا أحد يمثلها أو يشبهها في هذا البلد، لكنّها المحطة الوحيدة التي تبدو الأقرب إلى توجّهاتها. وتشرح بأن «قلة قليلة من الشباب هم الذين يتطلعون إلى دولة علمانيّة وحقوق مدنية متساوية بين الجميع، من دون فروق أو حواجز... هذا هو تفكيري الذي لا تمثّله أي محطة اليوم». وترى أنّ «كل طرف في البلد يأخذنا باتجاه المزيد من التبعيّة للخارج»، فيما تعترف بـ«أنني أفضّل جهة خارجية على أخرى».
لا تخشى بولا كثرة الانتقادات عن تداخل الاختصاصات بين برامج القناة الإخباريّة، بل تراه أمراً طبيعيّاً وأكثر. وتحكم بالغباء على أي مسؤول محطة إخبارية، يصرّ على الفصل بين موضوعات البرامج بشكل تام، «ما من قناة إخبارية في العالم، تكتفي باستعراض الحدث لمرّة واحدة، بل تتطرق إليه في أكثر من برنامج. المشاهد لا يقبع طيلة اليوم أمام الشاشة، كما أنه لا يتابع فضائية واحدة في عصر الانفتاح الذي نعيش».
قبل نحو عام، كانت بولا في قناة «الحرّة». ليست ممتنة من هذه التجربة التي تحولت إلى نوع من تصفية الحسابات معها شخصيّاً في نهاية المطاف، وخصوصاً أنّ تعاقدها معها جاء بعد استقالة زوجها موفّق حرب من إدارتها. هكذا بقي برنامجها «مجرد سؤال»، حبراً على ورق، واكتفت يومها بتحضير ثلاث حلقات مستقلة. وبعيداً عن تجربتها، نسألها هل حقاً حاربت «الحرّة» الإعلاميين اللبنانيين؟ «أسمع أحياناً مثل هذا الكلام، لكنّ مشكلتي كما ذكرت، لم تكن لأنني لبنانيّة أو أرمنيّة، بل لأنّ إدارة القناة كانت معقّدة». وتعود بالزمن إلى اليوم الذي افتتحت فيه القناة، «يومها كان لها حضور عربي، فقدته اليوم». هل لأن المشاهد العربي وفيّ أكثر لفضائياته، ويعرف سلفاً الخطاب الذي تصدّره «الحرة»؟ «تصعب منافسة «الجزيرة» و«العربية»، في ظل عملهما المحترف، وخصوصاً أن «الحرّة» لا نكهة لها».
تصرّ على البقاء في لبنان وعدم مغادرته. تقول «زؤان بلادي ولا قمح العالم كله... لذا اعتذرت عن العمل في «الجزيرة» و«أبو ظبي»، وخصوصاً أنّني لم أحتمل العيش في واشنطن سوى أربعة أشهر». لكن هل تقبل عرضاً محليّاً من LBC مثلاً؟ تسارع إلى الإجابة كمَن يعيد درساً حفظه عن ظهر قلب: «LBC تعيش زحمة برامج سياسيّة، ولا مكان فيها لبرامج إضافيّة، وخصوصاً أنّها قناة عامة». ثم تخلّص نفسها من الإجابة: «لا أستطيع أن أحسم الأمر، وخصوصاً أنّ LBC قناة محترفة تحتل المركز الأول، والعمل فيها مغر جداً». وإذا كانت بولا قد بدأت حياتها المهنية في سن السابعة عشرة في قناة ICN، وتنقّلت بين الأخبار والبرامج السياسية، قبل أن تدرس العلوم السياسيّة، تعترف بأنّ فترة عملها في MTV (حيث قدّمت برنامجاً تزامن عرضه على art أيضاً)، كانت الأقرب إلى قلبها. وتشير إلى أن «رئيس مجلس إدارتها ميشال المر مع فريقه، نجح من خلال ميزانية متواضعة، في منافسة LBC... يومها تعاطينا فيها مع الشأن اللبناني الضيّق برقي». لكنها تجد نفسها اليوم بعيدة كل البعد عن برنامج يتعامل مع «زواريب السياسة اللبنانيّة»، بعد تقديمها «نهاركم سعيد» يوميّاً، معتبرة أن ثمة قضايا استراتيجيّة أكثر أهميّة».



تناقش حلقة الليلة من Inter-Views العلاقات الإيرانية ـ العربيّة، وتتحدث بولا يعقوبيان مع ضيوفها في نقاط التلاقي بين إيران والعرب وعن المواجهة الإيرانيّة ـ الغربيّة. وتستضيف الباحث في الشؤون الإيرانية طلال عتريسي، ومستشار السنيورة رضوان السيّد، والمحلل السياسي وحيد عبد المجيد. ومن طهران، يطل المحلل السياسي ماشاء الله شمس الواعظين.
21:00 على «أخبار المستقبل»



رشقــــــاً... بالبنــــــدورة!

بعيداً من برنامجها الأسبوعي، تشتغل يعقوبيان أيضاً بتدريب بعض السياسيين وغيرهم من الراغبين في الظهور على التلفزيون، على ضبط حركاتهم وتعابير وجوههم أمام الكاميرا، وكيف يحصدون أفضل النتائج الممكنة من مقابلاتهم. تشرح: «أعلّم السياسي كيف يعطي انطباعاً بأنه شخص مسؤول متّزن، يدرك ماذا يقول، على أن نبيّن في الوقت نفسه مميزات شخصيته، ولا مانع من التمثيل إن لم يكن كذلك». وتشير إلى أن «أفضل سياسي أتقن فن التواصل، كان الرئيس الأميركي رونالد ريغن لأنه ممثل». وتؤكد أن «الزعماء في لبنان ليسوا مقياساً لرجال الدولة في العالم، فأي تصريح يدلون به كفيل بأن يجعل الشعب يرشقهم بالبندورة. لكننا للأسف شعب قبلي، نؤيد الزعيم في كل ما يقوله ويفعله من دون محاسبة». ننتقل للحديث عن الموضوعية، ومدى التزام «أخبار المستقبل» بها، وقدرتها على تخطي الخطاب المحلي الضيق. هنا، تتخلى عن الدبلوماسية التي طبعت حديثها، لتؤكد أن «المستقبل» لا تروّج للخطاب الأميركي، «حتى إن حلقتي الماضية، تضمنّت انتقادات لزيارة بوش وأهدافها». وتضيف: «إذا حصل لقاء مصالح بين الخطاب الأميركي وبين المحطة، فهذا لا يعني أننا نروّج لهذا الخطاب». في المقابل، تؤكد على ترويج «المنار» للخطاب الايراني، بسبب الارتباط العقائدي بين الجهتين. ومع ذلك، تشير إلى «وجود حسابات ومصالح واصطفافات بين جميع الأفرقاء اللبنانيين البارزين وبين الجهات الخارجيّة... ولو كنا نتبع طرفاً واحداً أيّاً كان، لكانت الأمور أفضل». لكن هناك من انتقد بشدة لقاءها مع بوش قبل سنتين ونصف تقريباً على LBC، ورأى أنها تماهت مع خطاب الرئيس الأميركي، ونظرته إلى بعض الأفرقاء المحليين. ترفض هذا الاتهام، «أنا تحفظتُ على بعض تصريحاته... اخترتُ كلماتي بعناية، لكنني لم أستطع الدخول معه في التفاصيل، فلبنان لم يكن ملفاً يوميّاً في جدول أعماله، وما كان يهمني هو مناقشة بعض الخطوط العريضة».
في النهاية، تنتقد يعقوبيان كيفية توزيع بعض مكاتب «الكابل» لفضائيات لبنان، وأن يحرم بعض الجمهور من متابعة «أو تي في»، وجمهور آخر من «المستقبل»، «هذا استغباء للمشاهد، علينا تزويده بالخيارات كلها، ثم يحكم... أنا معجبة برصد «المنار» لأخبار الصحف الإسرائيلية. فهي لا تلغي عدوّها، بل تحاول أن تتعرّف أكثر إلى من يقف لها بالمرصاد».