صباح أيوب
يعيش الوسط الإعلامي الفرنسي حالةً من الترقّب والقلق، والسبب: قوانين تصدر من دون استشارته، ومفاجآت تظهر مباشرة على الهواء، ومشاريع تُقرّ من دون أن يكون لدى المعنيين أدنى فكرة عنها. وإذا بهذه الوسائل تصحو على مفاجآت (أغلبها غير سارّة) لتنام إداراتها، و«يدها على قلبها»، خوفاً مما سيقرره بعض المجتمعين في قصر الإليزيه سرّاً، وفي أي لحظة من الليل.
بعد اللقاء البروتوكولي الذي جمع صحافيي فرنسا مع الرئيس نيكولا ساركوزي، وأجاب خلاله بصرامة وحذر عن غالبية الأسئلة الموجّهة إليه وإلى حكومته بعد 8 أشهر من تسلّمه الحكم... ها هو يفاجئ الوسط الإعلامي بسلسلة قرارات، لا تزال تردّداتها تشغل المحطات التلفزيونية والإذاعية والصحف الفرنسية. إذ أعلن نيّته وقف بثّ الإعلانات في المحطات الرسمية مع إضافة ضريبة على سعر الإعلانات في المحطات الخاصة، لتمويل الإعلام الرسمي. كما أعلن تعديل السياسة الإعلامية الخارجية، عبر إنهاء عمل «تي في 5 موند» و«فرانس 24» و«راديو فرانس انترناسيونال» لإنشاء محطة فرنسية موحّدة، تسمّى «فرانس موند».
قرار إلغاء الإعلانات من الإعلام الرسمي، أثار ضجّة بشأن البديل المطروح لتمويل الإعلام، إذ أكّد بعضهم أن ضرائب الإعلانات في الإعلام الخاص والضرائب التي ستفرض على كل وسائل الاتصال الجديدة (مثل الكومبيوتر والهواتف المحمولة...)، لن تكفي لتغطية ما كانت تدرّه الإعلانات من أرباح. وقد علت أصوات بعض الصحافيين، متهمين ساركوزي بـ«إمرار خدمات مجانية لأصحابه في «تي إف 1» عبر تمكينهم وحدهم من احتكار الإعلانات». وقدّم بعضهم دليلاً على ذلك، ارتفاع أسهم المحطتين الخاصتين («تي إف 1» و«أم 6») بشكل ملحوظ، بعد إعلان ساركوزي. كما انتقدت الصحف الطريقة التي اتبّعها الرئيس في إعلان القرار، التي كانت مفاجئة حتى لوزيرة الثقافة كريستين ألبانيل. فضلاً عن ملايين الموظفين الذين سمعوا قرار إنهاء وظائفهم مباشرة على الهواء، من دون أي إنذار أو بحث مسبّق.
أمّا القرار الثاني الذي يريد من خلاله ساركوزي، أن «يوحّد الإعلام الخارجي الفرنسي»، لينطق بلغة فرنسية واحدة في مختلف دول البث الفرانكوفونية، فدفع بالمساهمين الأساسيين في «تي في 5 موند» (كندا وبلجيكا وسويسرا) إلى التهديد بانسحابهم من المحطّة، ومن مجمل الخطة الإعلامية الخارجية الجديدة، «إذا كان هدف الإعلام الفرنسي أن ينطق بلسان الفرنسيين وفرنسا فقط». وأعرب المساهمون عن «امتعاضهم» من القرار، ومن الطريقة غير الرسمية والسريعة التي بُلّغوا بها عبر أوراق عمل غير موقّعة. الأمر الذي وصفته وزيرة المرئي والمسموع البلجيكية فضيلة لانان بأنه «لا يتماشى مع مبادئ احترام المهنية واستقلال الإعلام في فرنسا». من جهته، أخذ وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير «على عاتقه» حلّ أزمة المساهمين غير الفرنسيين، فوعدهم بإرسال لجنة للبحث في أنسب الطرق التي يتوافق عليها جميع الأطراف. «فالتصوّر لم ينتهِ بعد»، على حدّ قوله. وعلى رغم الاحتجاجات يبدو الرئيس متمسّكاً بقراراته. إذ إنّ أفضل ما اقترحته وزيرة الثقافة على المواطنين والصحافيين هو أن يراسلوها ويشكوا همومهم لها على عنوان بريدي ستضعه في خدمتهم قريباً، وعلى مدار الساعة!