لعل تلك الزيارة المبكرة التي قام بها الفتى منير الشعراني إلى كبير الخطّاطين في الشام بدوي الديراني في مطلع الستينيات، هي من سيوجّه خطواته كي يكون خطّاطاً. هكذا انتسب إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق ليدرس التصميم الغرافيكي على أصوله. تجواله بين دمشق والقاهرة ومرّاكش والأندلس، لاكتشاف أسرار الخط العربي في العمارة الإسلامية، وضعه أمام مسؤولية أخرى، تتعلق بسعيه إلى تطوير هذا الخط وفقاً للمتطلبات الحديثة. فهو لن يكون نسّاخاً جرياً على عادة الخطاطين المقلّدين، بل صاحب بصمة شخصية ستترسخ معرضاً وراء معرض آخر.في قراءة معمّقة لتجربة الشعراني، يشير حسين بيكار إلى «مايسترو حاذق يدرك الخصائص الخاصة للحروف وإمكاناتها الآلية. يستخدم ملكته القيادية في تحريك الكلمات والحروف واختيار مواقع ظهورها واحتجابها فوق مسرح اللوحة». ويضيف: «هكذا تجتمع مقوّمات العمل التشكيلي جميعها في ما يؤلّفه الشعراني فترتفع تارة لتصدح بلحن مشرقي بالغ الأصالة، أو تتشامخ في فراغ اللوحة كأنها صرح من صروح غرناطة، أو تدقّ وتشفّ كأنها منمنمة فارسية بالغة الرقّة».
يعيد منير الشعراني أسباب ثبات قوانين الخط العربي إلى «هبوب رياح التحريم على الفنون قروناً عدة، كانت كافية لكبح جماح الإبداع، ولم يكن الخط العربي في منأى عما أصاب الفنون الأخرى. لقد سُجن في قفص من ذهب اسمه القدسية والاكتمال وإقفال باب الاجتهاد». ويوضح: «من جهتي، لم أستكِن إلى الجمود والجهل والسلفية، بل تسلّحت بالكرامة والمعرفة والوعي والشجاعة والعناد، وبطموح إلى الحرية، لأنتقل بلوحتي الخطية إلى أفق أرحب ينتمي إلى الزمن الذي أعيش».