عمّان ـ جعفر العقيلي
•الأدب العبري نجم الموسم بين تورينو وباريس

تحلّ إسرائيل، هذا الربيع، ضيفة شرفٍ على معرضين للكتاب في فرنسا وإيطاليا. إنها «زلّة ضمير» كتب إبراهيم نصر الله، رافضاً المشاركة في تورينو. شرارة الاحتجاج انطلقت من الأردن، فهل تولّد تحرّكاً عربياً واسعاً؟

الشرارة الأولى انطلقت من الأردن، احتجاجاً على مشاركة إسرائيل بصفة ضيفة شرف في «معرض تورينو الدولي للكتاب»، بعد أسابيع من احتلالها مكان الصدارة نفسه في «معرض باريس» العريق. تحدّث الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله عن «زلّة ضمير» ارتكبها المشرفون على المعرض الإيطالي، إذ قرروا استضافة إسرائيل احتفاءً بالذكرى الستين لتأسيسها، في الدورة المقبلة التي تقام من 8 حتى 12 أيار (مايو) 2008.
وأعلنت «رابطة الكتّاب الأردنيين» مقاطعتها المعرض نفسه احتجاجاً، وأوضحت في بيانها أنّ العام الستين لقيام «دولة إسرائيل»، هو نفسه «العام الستون لاغتصاب العصابات الصهيونية فلسطين، واقتلاع شعبها من أرضه والاستيلاء عليها، وتشريده تحت وقع المجازر المنظّمة ليعيش في الشتات». لم يتأخر ردّ مدير النشر في المعرض طبعاً، إذ رأى إرنستو فيريرو أنّ «ثقافة إسرائيل المنفتحة التي أثبتت استقلاليتها، تحظى بتقديرٍ في كل أصقاع الأرض، وخصوصاً إيطاليا»، وأنّها «تميزت بموقفها النقدي واستعدادها للحوار
والبحث».
مصادر مختلفة أكّدت أن النيّة كانت تتجه لتكون مصر ضيفَة شرف الدورة، مقابل أن يستضيف «معرضُ القاهرة الدولي للكتاب» المقام حالياً، إيطاليا. إلا أنّ اللوبي الصهيوني مارس ضغوطاً أدّت إلى استضافة إسرائيل بدلاً من مصر.
هكذا، سيسلّط الضوء في الإعلام الإيطالي والأوروبي، على كتّاب مثل دايفيد غروسمان وعاموس عوز وأبراهام ب. يهوشفاع، ممن يسوّقون في الغرب لخطاب تقدميّ يرفع راية السلام ويدعي تفهّم حقوق الشعب الفلسطيني، فيما تصب مواقفهم الفعليّة في خانة الخطاب الصهيوني. وقبل إيطاليا، سيحتلّ هؤلاء الكتاب، و36 من أقرانهم (بينهم سامي ميخائيل وسيّد قشّوع)، موقع النجوميّة في معرض الكتاب الفرنسي في باريس (14ـ 19 آذار/ مارس 2008)، حيث أثار هذا الاختيار موجة من الاستياء، فيما المجازر الإسرائيلية تتواصل في غزّة.
وكان الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله قد ردّ على رسالة الدعوة التي تلقاها من منظمي المعرض، لافتاً إلى أنها وصلته، في اليوم نفسه الذي قامت فيه القـــــــوات الإسرائيليـــــــة بقتل 20 فلسطينياً بدم بارد في مجزرة بشعة.
وكتب نصر الله: «إننا لا نقف مع فلسطين لأننا فلســـــطينيــــون وعرب، بل نقف معها لأنها امتحان يومي لضمير العالم، وقد جاءت خطوتكم باستضافة إسرائيل صفعةً قوية لهذا الضمير». واستنكر رئيس رابطة الكتاب الأردنيين، سعود قبيلات، موقف إدارة المعرض المتمثل «في الاحتفاء بالجلاد ونسيان الضحية، ما يتنافى مع الإرث الإنساني الإيطالي المشرّف».
وكشف عن اتصالات مع النقابات المهنية وأحزاب المعارضة الأردنية واتحادات الكتّاب العربية، والاتحاد العام للأدبــــــــاء والكتاب العرب، والناشرين العرب أيضاً، لاتخاذ موقف موحّد من المعرض.
وتعالت في عمّان أصوات تدعو إلى المشاركة في معرض تورينو، لتفويت الفرصة على الإسرائيليين وفضح دمويتهم. ودعا المسرحي غنام غنام، إلى «حضور يعرّي العدو، لا حضور يعطيه الغطاء». كما دعا المثقفين العرب إلى مخاطبة العالم بلغة الحقائق، في مواجهة محاولات تزييف وجه القاتل وتجميله. فيما ذكّرت الروائية سميحة خريس بما حدث في معرض فرانكفورت للكتاب، عندما احتفى قبل سنوات بالثقافة العربية: «يومها نصب الإسرائيليون خيمةً صغيرةً خارج الأسوار وراحوا يعرضون كتبهم المكتوبة بكل لغات العالم، ويبيعونها، رغم أنّ المعرض كان للعرض فقط».
وتطرح حالياً فكرة إقامة نشاط موازٍ لمعرض تورينو الذي يشارك فيه 1200 ناشر، ويستقبل 300 ألف زائر. يفترض بتلك التظاهرة المضادة أن تقام في المكان والزمان نفسيهما، تحت عنوان «ستون عاماً من المجازر الصهيونية»، وأن تشتمل على نشاطات سينمائيّة وتشكيليّة وأدبية، وندوات ومحاضرات. وقد بدأت المداولات فعلاً بين عدد من الجمعيات والهيئات والأحزاب الإيطالية والعربيّة. ويسأل كثيرون اليوم عن الدور الذي يمكن أن تؤديه «جامعة الدول العربيّة» في هذا المجال!

(مع مراسلات من باريس والقدس المحتلّة)