الجزائر ـ نورالهدى غولي
تضجّ الساحة الجزائريّة هذه الأيام، بأصداء القضيّة التي أثارتها وزيرة الثقافة خليدة تومي، إذ أعلنت سحب «جائزة مالك حداد» من الروائية أحلام مستغانمي التي أطلقتها قبل سنوات بمبادرة مستقلّة، وتحويلها إلى جائزة رسمية. ويتردد أن تومي تعتزم إسناد مهمة الإشراف عليها إلى أحد الروائيين البارزين في الجزائر، وترددت أسماء رشيد بوجدرة، واسيني الأعرج وأمين الزاوي. والسؤال المطروح هو: هل يحقّ للوزيرة أن تسحب الجائزة من مستغانمي التي أطلقتها قبل سنوات برعاية التلفزيون الجزائري و«الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة»؟
هذه المستجدات تزامنت مع إعلان الفائزين بـ«جائزة مالك حداد» في دورتها الرابعة: الكاتبان عبير شهرزاد وكمال قرور. فقد استنحت مستغانمي فرصة تسليم الجائزة لتشنّ «حملةً عنيفة» على السلطة القائمة، وانتقدت سياسة نهب الأموال وتبذيرها في الكرنفالات والمحافل الثقافية الفولكلورية. كما أعلنت صاحبة «ذاكرة الجسد» خلال الحفلة، أنّ ذلك يدفعها إلى التفكير في إعادة فتح منبر جديد لهذه الجائزة كي تحتضنها دولة عربية أخرى غير الجزائر. وفي رد فعل، أعلنت وزيرة الثقافة الجزائرية سحب الجائزة من مستغانمي.
مع ذلك، لم يتقبّل المثقفون الجزائريون هذه الثورة الرسمية التي تطال كلّ مثقف يعارض السياسة المتّبعة في الحقل الثقافي، ما يذكّر بما حصل مع لامين بشيشي، المنسّق الأول لاحتفالية«الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007»، يليه المنسّق الثاني كمال بوشامة، وقد قدّما استقالتيهما بعدما عارضا طريقة إدارة الأموال وتبذيرها من دون تقنين عادل ومنطقي للمشاريع وفق جدول أولويات.
مستغانمي التي تساءلت: «كم من غزال منحنا إياها مالك حداد» تيمّناً بروايته «سأهبك غزالة»، كانت تدرك جيداً أنّ فكرة نقل الجائزة من الجزائر لن تمر مرور الكرام. لهذا سبقت كل التوقّعات وعزّزت كلمتها بالكثير من الإحصاءات التي تظهر وضع الثقافة المتردي في الجزائر، بل تضع معيار «الإنسانية» في خانة الشك نظراً إلى النهب على مختلف المستويات. وقبل أن تغادر صاحبة «فوضى الحواس» القاعة في ذلك اليوم، كانت قيمة الجائزة قد ارتفعت إلى الضعف لتبلغ 100 مليون سنتيم جزائري (حوالى 13 ألف دولار) بعد التصريح المزدوج لحمراوي حبيب شوقي المدير العام للتلفزيون الجزائري وحكيم تاوسار، مدير «الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة» بإعطاء قيمة مالية فعليّة لـ«جائزة مالك حداد» التي أسّستها مستغانمي عام 2001.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الروايات الشبابية المنشورة في الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، تدين بوجودها إلى أحلام مستغانمي التي تركت «شهرتها» جانباً وجاءت تهتمّ برعاية جيل مبدع شاب، عجزت وزارة الثقافة الجزائرية بكامل هياكلها عن الالتفات إليه ورعايته. في دورتها الأولى، ذهبت جائزة مالك حداد مناصفةً إلى إبراهيم سعدي (عن «برح الرجل القادم من الظلام») وياسمينة صالح («بحر الصمت»). ثم كانت جائزة الدورة الثانية من نصيب عيسى شريط («لاروكاد») وإنعام بيوض («السمك لا يبالي»). أما الدورة الثالثة فتوّجت حسين علام عن روايته «خطوة في الجسد». وأخيراً، تقاسم الكاتبان عبير شهرزاد («مفترق العصور») وكمال قرور («التراس») جائزة الدورة الرابعة التي أثارت كل هذه الزوابع.
ويتساءل المثقفون اليوم في الجزائر: هل تلجأ خليدة تومي يوماً إلى سحب «جائزة مفدي زكريا للشعر» من الروائي الكبير الطاهر وطار، وخصوصاً أنّ هذا الكاتب لا يتوقف عن الانتقاد، وقد وجّه سهامه إلى تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 التي تختتم اليوم، بعدما خلفتها دمشق وباشرت باحتفالاتها، من دون أن تنتظر إسدال الستارة في الجزائر؟!