بشير صفير
•عازف البيانو العالمي الليلة في الـ «أسمبلي هول»

يزور بيروت آتياً من الولايات المتحدة، لتقديم أمسية وحيدة في الجامعة الأميركيّة، يؤدي خلالها معزوفات شهيرة من الربيرتوار العالمي. وليد حوراني هو الضلع الثاني في مثلث ذهبي يجمعه بالراحل وليد عقل وعبد الرحمن الباشا. بين ضيوفه الليلة: باخ وبيتهوفن وشوبان وتشايكوفسكي...

إذا استعدنا علاقة لبنان بالعزف الكلاسيكي على آلة البيانو، فإنّه يمكننا القول إنّ انطلاقتها تتمثّل بثلاثة أسماء أساسيّة: الراحل وليد عقل، عبد الرحمن الباشا ووليد حوراني. بالطبع، هناك أسماء أخرى لا تقلّ أهميّة، لكنّ هذا الثلاثي هو أوّل ما يرد الى أذهان الجمهور لسببين: الأوّل هو الشهرة العالمية التي تتمتّع بها هذه الأسماء، والثاني هو عدم انقطاع هؤلاء عن الجمهور اللبناني، ولو أنّ زياراتهم إلى بيروت قليلة نسبياً. علماً أنّ لكلّ من العازفين الثلاثة نمطه وتوجّهه المختلف لناحية التركيز على مؤلفين معيّنين أو حقب محدّدة، ولكلّ أسلوبه الخاص في العمل وطريقة تناوله للمؤلفات.
في عام 1997، رحل فجأة وليد عقل كبير هذا الثلاثي. عقل المولود عام 1945. بدأ دراسة البيانو في سنّ متأخرة نسبيّاً، لكنّ إرادته جعلت منه عازفاً عالميّاً، فيما في الأذهان صورة الموسيقي الزاهد والمتألم. ترك عقل تسجيلات ذات قيمة عالميّة، يصعب إيجادها في السوق اليوم (للأسف)، أهمّها أعمال البيانو الكاملة لهايدن وللروسي بورودين، إضافة إلى أعمال متفرّقة أخرى.
أمّا صغير الثلاثي، عبد الرحمن الباشا (1958) فهو الأكثر اتّباعاً لمنهج واضح، قوامه بدء مشروع موسيقي محدّد ومواصلة العمل حتى النهاية. هكذا، صار الباشا يملك في رصيده تسجيلات عديدة، أهمّها الأعمال الكاملة لشوبان (قدّمها بالترتيب الزمني استناداً إلى تاريخ التأليف)، وسوناتات البيانو الـ32 لبيتهوفن وكونشرتوهات البيانو والأوركسترا الخمسة لبروكوفييف. تميّز عقل والباشا بالجدّية في العمل ومنهجية الاختيار وبعلاقة «رسميّة» مع الجمهور قد يكون سببها الوحدة التي تفرضها هذه المهنة لأشهر من التمارين قبل أن تسمح بلقاء ساعة أو ساعتين مع الجمهور.
تهدف الإضاءة على خصائص هذين الاسمين الكبيرين، إلى تبيان الفرق الشاسع عند مقارنتها بميزات وليد حوراني الموسيقية وشخصيته بشكل عام. بخلاف معظم عازفي البيانو في العالم، يُعدّ حوراني من القلّة الذين كسروا الحاجز الصلب والقواعد الجدّية في العلاقة مع الجمهور. فهو ـــــ رغم جديته وتركيزه أثناء العزف ـــــ يتمتّع بشخصية محبّبة، مجبولة بحسّ الفكاهة، ويتواصل مع الجمهور ويمازحه. وبعيداً من الأمسيات الموسيقية، يحمل حوراني في جوهره نزعةً إنسانيّة استثنائية سِمَتها التواضع الشديد. ويُعرف عن هذا الفنان أيضاً نفوره من التكنولوجيا، والتطور العلمي في مجال المواصلات الذي يرى أنّه أبعدَ الإنسان ونفاه عن الآخر. فيما يقيم علاقةً خاصةً مع الطبيعة.
وليد حوراني أبصر النور في الولايات المتحدة عام 1948، ثم انتقل إلى لبنان وبدأ دراسة العزف على البيانو، وأكمل تحصيله في الاتحاد السوفياتي سابقاً. تتميّز شخصيته الموسيقية عن زملائه في المهنة بتعدّد أوجهها واتساع رقعة اهتمامها، فهي تخرج عن نطاق العزف لتطال التأليف. كما تتحرّر من عالم الموسيقى الكلاسيكية لتخوض تجارب في عوالم موسيقيّة أخرى.
هكذا، لا يكترث حوراني لأحاديّة الهويّة الموسيقية لأسطواناته، إذ إنّ معظمها يجمع ـــــ تحت راية البيانو ـــــ مؤلّفين من كلّ الحقب، ومؤلفات لا قاسم مشتركاً بينها. إنّها أشبه بباقة زهور من كل الأصناف والألوان.
وإضافة الى الموسيقى الكلاسيكيّة، أولى حوراني خلال مسيرته اهتماماً بموسيقى الجاز، من دون أن يغوص فيها. وهو يُعدّ من الموسيقيّين القلة في العالم الذين يولون اهتماماً كبيراً بموسيقى الراغ تايم ذات القواعد الخاصة، التي تمثّل جذراً من جذور الجاز إلى جانب البلوز والغوسبل (راجع البرواز المرافق للمقالة). وإلى جانب الأداء، خاض حوراني تجارب عدة في التأليف، أشهرها معزوفة للبيانو بعنوان «رابسودي لبنانية». وقد أعطت اسمها لأسطوانة ضمتها إلى جانب مؤلفات عالمية، صدرت عام 1995. أتى هذا العمل على غرار مشروع المجري فرانز ليست (1811 ـــــ 1886) القائم على توليف لألحان شعبيّة تراثيّة محلية في قالب معزوفة للبيانو. هكذا، جاءت مؤلّفة حوراني عبارةً عن ميلوديات من تراثنا المشرقي، أضافَ المذكور بعض التلاوين إلى الجمل الأصلية، كما كتب الجسور التي تسمح بالانتقال من لحن الى آخر.
آخر إصدارات وليد حوراني يعود إلى عام 2005، مع ألبوم بعنوان Firedance جمع بين الانطباعية الفرنسيّة (موريس رافيل) والرقصات البلقانيّة (ماركو تايتشيفيتش) والنسخة الخاصة بالبيانو المنفرد لرائعة الأميركي جورج غيرشوين Rhapsody In Blue، إضافة إلى «ملك» الراغ التايم المعاصر، الأميركي وليام أولبرايت الذي يعدّ من أبرز الذي اشتغلوا على هذا النمط، من خلال عمل بعنوان Machine Age. كما ضمّت الأسطوانة عملاً من تأليف حوراني Introduction And Firedance.
أمّا برنامج الأمسية التي يحييها وليد حوراني اليوم في الـ «أسمبلي هول»، فيضمّ أعمالاً لمؤلفين من حقبتين: الباروك مع باخ وسكارلاتي والحقبة الرومنطيقية من بداياتها مع بيتهوفن إلى قلبها مع شوبان وليست، إلى نهاياتها مع تشايكوفسكي.
ويشير البرنامج الموزّع إلى أنّه سيؤدي سوناتة البيانو الثامنة لبيتهوفن (Pathétique) والرابسودي الهنغارية الثانية لليست، بينما لم تُذكر الأعمال التي اختارها العازف اللبناني للمؤلفين الآخرين. بالطبع، يصعب تكهّن ماذا سيقدّم حوراني من أعمال باخ وشوبان. إلا أنّه يمكن الجزم في ما يخصّ الشكل، بالنسبة إلى سكارلاتي الذي لم يكتب للبيانو (أو بالأحرى للكلافسان) سوى سوناتات، بلغ عددها 550 (من حركة واحدة). أمّا بالنسبة إلى تشايكوفسكي الذي لا تمثّل الأعمال التي كتبها للبيانو سوى جزء صغير من إرثه الضخم، فينحصر الموضوع ـــــ مبدئياً ـــــ ـ بين «السوناتة الكبيرة» و«الفصول»، وهو عمل يتألف من 12 مقطوعةً قصيرةً معنونة بحسب أسماء شهور السنة.

الثامنة والنصف من مساء اليوم في الـ«أسمبلي هول»، الجامعة الأميركية، بيروت : 01،340817
www.waleedhowrani.com