محمد شعير
«ولكن آفة حارتنا النسيان» هكذا يقول نجيب محفوظ على لسان أحد أبطال روايته «أولاد حارتنا». ويبدو أنّ هذا ينطبق على صاحب نوبل نفسه هذه الأيام في مصر. ففي ذكرى ميلاده السادسة والتسعين، وبعد عام ونصف تقريباً على رحيله، لم يحدث شيءٌ مما أُعلن عنه إثر رحيله: لا المتحف الذي اقترحت وزارة الثقافة المصرية إقامته، ولا مشروع «المزارات المحفوظية» الذي أعلنت عنه محافظة القاهرة. والمفارقة أنّ تكريم محفوظ هذا العام يأتي من جهات أجنبية وخارجية، أو من منظمات المجتمع المدني في القاهرة.
لا أحد يعرف لماذا توقّف العمل في المتحف، وخصوصاً أنّ وزارة الثقافة أعلنت أنّها خصصت له أحد الأماكن الأثرية في القاهرة التاريخية، وهو «وكالة محمد بك أبو الدهب» المجاورة لجامع الأزهر. اجتمعت اللجنة مرتين برئاسة الدكتور جابر عصفور وعضوية محمد سلماوي ويحيي الرخاوي وعلي أبو شادي، ويوسف القعيد. بل تبرّع عددٌ من محبي نجيب محفوظ ببعض مقتنياتهم الخاصة: محمد سلماوي تبرّع بالعصا الخاصة بمحفوظ التي كان قد أهداها له، ويحيى الرخاوي تبرع بصورة من «خمس» كراسات كان محفوظ يتدرب فيها على الكتابة كنوع من العلاج بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها عام 1994. كما وُضع تصوّرٌ لشكل المتحف، على أن يتضمن مكتبةً ضخمةً تحوي كل مؤلفات عميد الرواية العربية والدراسات والأبحاث التي صدرت عنه بكلّ اللغات لتصبح المكتبة بمثابة مرجع لمن يريد دراسته، فضلاً عن «سينماتيك» خاص بكل أفلامه.
لكنّ المشروع توقف تماماً من دون أسباب. رئيس اتحاد الكتّاب محمد سلماوي لا يملك سبباً محدداً لتوقّف اللجنة. قال إنّ ذلك ربما بسبب سفر الدكتور جابر عصفور إلى باريس للعلاج وقتها، ثم تركه لأمانة المجلس. أما جابر عصفور فيقول: «تركت منصبي، وكان يُفترض أن يشرف الأمين العام الجديد على اللجنة والأمر متروك للوزير. إذا كان يريدني أن أكمل بصفتي الشخصية، فأهلا وسهلاً أو يستمر الأمين الجديد رئيساً للجنة».
المشروع الآخر هو «مزارات محفوظ» السياحية. وهو مشروع تتبناه محافظة القاهرة بعد اقتراح تقدم به الروائي جمال الغيطاني. هكذا، أُلِّفَت لجنة ضمت محمد سلماوي، ويوسف القعيد، وسعيد الكفراوي. واتُّفق على أن يبدأ المشروع بتسجيل الأماكن المرتبطة بمحفوظ مثل المقاهي والمنازل والأماكن الأثيرة لديه، وخصوصاً في القاهرة القديمة، على أن يُعرَّف بهذه الأماكن ويُرَمّم بعضها. أما المستوى الثاني فهو المتعلق بعالم محفوظ الروائي، وخاصة في المرحلة الواقعية. ولحظ المشروع تحديث وترميم الأماكن التي دارت فيها أحداث رواياته وعاشت فيها الشخصيات التي دخلت الأدب الإنساني في العديد من اللغات مثل أحمد عبد الجواد في «الثلاثية» وحميدة في «زقاق المدق». على أن يُحَدَّد خط مسار للمزارات جميعها من خلال وضع أسهم ولافتات للأماكن وطبع كتيبات صغيرة بسعر زهيد يوضح خريطة المزارات بلغات متعددة ليقوم السياح بجولات تستعرض أماكن محفوظ.
لكن لماذا توقف المشروع؟ يجيب سعيد الكفراوي: «لا أعرف. اجتمعنا مرتين وأُخذت خطوات إيجابية. لكن كالعادة لم يحدث شيء». ويضيف: «هذا وطن بلا ذاكرة، نجيب محفوظ مثل يحيى حقي ويوسف إدريس، يذهب إلى النسيان. ويبدو أنّ النسيان من خواصّ مصر المعاصرة». لكن هل ما زال محفوظ مقروءاً؟ «دار الشروق» المصرية أعلنت أنّها ستصدر الطبعة الثالثة من أعماله بعد نفاد الطبعتين الأولى والثانية، بما في ذلك الطبعة الفاخرة المجلدة. كما ستصدر ثلاثة كتب نقدية عن أدبه، بينها كتاب مجهول لنجيب سرور صدر في لبنان في الستينيات ويحمل عنوان «رحلة فى ثلاثية نجيب محفوظ».
الغريب أنّ الاهتمام بمحفوظ كان اهتماماً من دول غربية أكثر من بلده الذي لم يغادره، إذ أزاحت روسيا الستار أخيراً عن التمثال الخاص لمحفوظ في «حديقة الخالدين» ليُعد محفوظ أوّل أديب من خارج روسيا يحتل مكانة إلى جوار عمالقة الأدب الروسي. كما أقيم في السويد احتفال ضخمٌ تحت عنوان «النيل فى ضيافة الدانوب» تضمّن عرضاً لصور نادرة لمحفوظ ومحاضرة ألقاها الأديب جمال الغيطاني.