حوراء حوماني
الذين «طمعوا بأموال القاهرة»... «أنطوني كوين العرب»، يُسافر قريباً إلى السويد ليعيش معاناة الشباب المهاجر، ثم ينتقل إلى «مملكة كندة» لمقاومة الغزاة. وبين العملين، يستعيدُ مع علاء الدين كوكش العصر الذهبي للبيئة الدمشقية


من النادر أن يمرّ موسم تلفزيوني من دون أن تشاهد خالد تاجا في معظم المسلسلات السورية. لكن بطل «التغريبة الفلسطينية»، و«غزلان في غابة الذئاب» و«الثريا»... يرفض اعتبار حضوره المكثّف في دراما دمشق، إطراءً من المخرجين أو ثمرة صداقات في الوسط الفني، ويجيب: «هي خبرة السنين التي تركت على وجهي ألف حكاية وحكاية».
وتاجا الذي بدأ مشواره الفني في خمسينيات القرن الماضي مسرحياً، ثم كرّسه بحضور سينمائي وتلفزيوني مميّز، يتجه اليوم، وبقوة، صوب السينما. وقد انتهى أخيراً من تصوير فيلم «المهد» مع المخرج محمد ملص. ويتناول العمل التاريخي مملكة كندة التي كانت تقوم على تخوم الحبشة. ويقدم فيه دور «ملك كندة» الذي يعيش مواجهة شرسة مع جيش البلاد، بعد توقيعه على معاهدة، رغم عنه. ويقول: «هو عمل مليء بالاسقاطات السياسية المعاصرة». كذلك انتهى من تصوير فيلم «نصف ميليغرام من النيكوتين» مع مخرج جديد يدعى محمد عبد العزيز. ويؤدي تاجا في الشريط، شخصية سائق تاكسي عانى طويلاً من العقم. ويوم يكتشف أن زوجته تنتظر مولوداً، يقتلها ليدخل السجن ويعيش أزمة نفسية حادة.
كما يحضّر الممثل الذي وصفه محمود درويش بـ«أنطوني كوين العرب»، لتصوير عمل ثالث بعنوان موقّت هو «حارة الحب»، من تأليف وإخراج الممثل رافي وهبي. وهناك فيلم سينمائي بعنوان «رقصة النسر»، من المقرر أن يخرجه هيثم حقي. ويضيء على نسر جريح، لا يستطيع الطيران، لأنّ هناك من قصّ جناحيه.
في رمضان الماضي، لعب خالد تاجا دوراً رئيسياً في مسلسل «الحصرم الشامي» الذي استثنته لجنة الرقابة في التلفزيون السوري من العرض على الشاشة المحلية، بحجة أنّ العمل المقتبس عن كتاب «حوادث دمشق اليومية» لأحمد بدري الحلّاق، يسيء في مضمونه إلى بعض العائلات الدمشقية بالاسم. لكن العمل الذي كتبه فؤاد حميرة وأخرجه سيف الدين سبيعي، وعرض على قناة «سين» للمسلسلات، أثار جدلاً واسعاً في الوسط الفني. فماذا يقول تاجا عنه؟ «جاء العمل الذي قدّمني بشخصية الرجل المسحوق، قاسياً جداً، وخصوصاً أنّه يحكي عن صراع السلطة والصراع الطبقي أيام العثمانيين». ويرى تاجا أن العرب تآمروا على الإسلام والوطن العربي يوم قبلوا بالتخلي عن فلسطين للصهاينة، في حين رفض السلطان عبد الحميد الثاني. كما يعتقد أن «تمزيق السلطة العثمانية، على رغم تآكلها ونظامها الفاسد، لعب دوراً مباشراً في زعزعة الأمبراطورية الإسلامية». في رمضان أيضاً، قدّم تاجا في مسلسل «وصمة عار»، دور الرجل الوطني النظيف الذي يقع فريسة الأقلام المأجورة، وشارك كضيف شرف في الجزء الثاني من «خالد بن الوليد» و«ظلّ امرأة». وهنا، يبدي الممثل المخضرم استياءه من الإنتاجات الدرامية السورية هذا الموسم، «فهي لم تضف أي جديد، فبقيت ترواح مكانها». ويذهب إلى المقارنة بينها وبين الدراما المصرية التي «نهضت من كبوتها، وقفزت بمخرجي سوريا وممثليها إلى الواجهة. وأكبر دليل على ذلك، تفوّق مسلسل «الملك فاروق» لحاتم علي وتيم حسن».
ويشير إلى أنّ الحنين إلى البيئة الدمشقية القديمة، يسيل لعاب أرباب سوق الدراما اليوم، نظراً إلى تميّز تلك الحقبة بقيم اجتماعية نادرة. لكنه، في المقابل، يبدى تحفظاً على «باب الحارة» الذي صدّر أفكاراً «خطيرة وغير حقيقية». ويؤكد تاجا على أنّه لا يؤمن بتصنيف دراما سورية وأخرى خليجية وثالثة مصرية، «الدراما في الأساس عربية، وهي لوحة تكمّل بعضها بعضاً، على أن يكون لكلّ لون جمهوره». ومع ذلك، يشن هجوماً على مسلسلات القاهرة التي تبتعد عن الواقع، في حين أنّ «الدراما السورية تلتصق بالشارع». ويضيف شارحاً: «ليس هناك أصدق من ديكور البيت والشارع الذي نصوّر فيه»، مشيراً إلى أنّ نجاح الأعمال التاريخية يعود إلى انطلاقها من أرض الواقع «والتاريخ دائماً يعيد نفسه». أضيفي إلى ذلك أن المخرجين السوريين برعوا في هذا النوع من الأعمال، لأنهم حاولوا قراءة التاريخ بموضوعية، من دون الانحياز إلى فئة معينة». ثم يضيف: «اعتدنا الاسقاطات، لأنّنا غير قادرين على التعبير عن أفكارنا بحريّة. لذا، تريننا نتّجه صوب التاريخ الذي يعيد نفسه». وهنا أعبّر عن حزني على جمهور يقتطع الرقيب جزءاً كبيراً وحقيقياً من حياته». ويستدرك: «لا أتحدث عن بلد معين، إنما انتقد الرقابة في كل الوطن العربي».
والاختلاف بين الدراما السورية والدراما المصرية، يعود برأي تاجا إلى مبدأ «التجار الذين لا يبحثون عن أيّ جهد في مصر». كما يجد أنّ الإنتاج المصري يصرف على النجم وحده، فيطلّ العمل فقيراً». لذا، يعزو ظاهرة هجرة السوريين صوب مصر إلى المغريات المادية هناك. ويقول: «لله والتاريخ، لقد نصحتُ بعض زملائي بالاكتفاء بما هو متيسّر في سوريا، فالقصة ليست جيوباً ممتلئة، بل فنّ يراهن على الاستمرارية، وخصوصاً أن في الأفكار المصرية إعادة وتكراراً». وينتقد الإخراج المصري الذي يبدو مملّاً ورتيباً. هكذا، نرى ممثلاً يعبّر عن حبه للبطلة وهو يدير ظهره للكاميرا من دون أن يكلّف المخرج نفسه عناء نقلها من مكان إلى آخر». كما يراهن على عودة الذين ذهبوا إلى القاهرة، «وهذا ما حدث مع جمال سليمان وأيمن زيدان اللذين اعترفا بتوافر مناخ صحّي وسليم للعمل هنا».
أما بالنسبة إلى جديده التلفزيوني، فيقرأ تاجا حالياً عشرة نصوص، سيختار منها ثلاثة. بين هذه الأعمال، مسلسلٌ، يخرجه هشام شربتجي، ويصوّر بين سوريا والسويد. ويتناول هجرة الشباب والأدمغة، نتيجة عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. كما يقرأ نصاً ثانياً عن البيئة الشامية، «باب ساروجة»، من إخراج علاء الدين كوكش.
ومن الفن إلى السياسة، يؤكد تاجا أنّ تاريخ الأمة العربية لم يشهد يوماً رداءة كتلك التي نعيشها اليوم، ويقول: «أتعلمين؟ أخجلُ من عروبتي أحياناً... لا أبالغ إن قلتُ إن هناك في الخليج من يعيش في أكواخ، تحتها آبار من النفط. فيما تملك أسر قليلة المال، وتحفظها في مصارف أميركا». كما يقول إنّ في العراق 40 ألف صهيوني يفجّرون الجوامع والكنائس ويخلقون الفتنة بين العراقيين. أما بالنسبة إلى فسحة الأمل الوحيدة عنده، «فهم المقاومون الذين تخافهم إسرائيل».