strong>ليال حداد
بابا نويل موجود، وهو يحضر كل الهدايا التي تطلب منه. وهذه السنة إلكترونياً وذلك على موقع http://xmas.glueserv.com. وهو موقع تناقلته الرسائل الالكترونية في الفترة الأخيرة. يدخل متصفّح الموقع تدريجاً داخل منزل بابا نويل. يمرّ بالغابات حتى يصل إلى أحد البيوت المكسّوة بالثلج، يُفتَح الباب ويظهر بابا نويل العجوز ذو اللحية والشعر الأبيض جالساً على كنبته الدافئة والواسعة مرحّباً ومشجّعاً على طلب هدية، وكل ذلك على وقع موسيقى عيد الميلاد. يدعوك رجل العيد بكل رحابة صدر وثقة إلى أن تطلب أية هدية تريد، بغض النظر عن عمرك.
يكفي الزائر أن يكتب في الخانة الموجودة في الأسفل الهدية التي يتمنى الحصول عليها، وينتظر ثواني، حتى يخرجها بابا نويل من كيسه الكبير المليء بالهدايا والموضوع الى جانبه.
عنصر تحدٍّ وحشرية ورغبة طفولية في اختبار قدرة بابا نويل على تحقيق مبتغاك. فإذا بالزائر يطلب سيارة مثلاً، فيكتب في الخانة المخصصة «سيارة» وما هي إلا ثوانٍ حتى يستدير رجل العيد ضاحكاً الى كيسه ويُخرج منه رسماً لسيارة جميلة يضعها بين يديك، فينتابك شعور بالرضى إذ على الأقل،ّ حصلت على صورة مبتغاك. وإذا طلب آخر أموالاً، فسيحصل أيضاً، بالطريقة نفسها، على صورة لبطاقات ائتمان أو رزمات من الأموال مكدّسة بعضها فوق بعض، وإذا طلب منه هيفاء وهبة فسيهديه إحدى صور الفنانة اللبنانية في أبهى حللها. لا شيء يعصى على بابا نويل.
غير أنّ بابا نويل هذا ليس بعيداً عن السياسة، ويبدو أنه أخذ طرفاً مسبقاً، فإذا تمنّى أحدهم أن يحصل على الولايات المتحدة الأميركية هديةً، يفاجئه بصورة لجندي أميركي يضرب التحية لعلم بلاده، أما إذا كتب في الخانة نفسها «شيوعي» مثلاً فيرفع صورة رسم عليها المنجل والمطرق وعبارة «هؤلاء الشيوعيون الملاعين».
أما في السياسة اللبنانية فلبابا نويل ذاك أو الشركة التي صمّمته رأي خاص، فكتابة اسم الرئيس الراحل رفيق الحريري تأخذ وقتاً في البحث ولكنه يجدها، والمفاجأة الأولى: صورة الحريري، جثّة متفحّمة بعد عملية الاغتيال مباشرة. كما يملك بابا نويل صوراً لكل زعماء «الصفّ الأول» في لبنان. وإذا لم يجد صورة معيّنة يطلب من الزائر البحث في موقعي غوغل أو أمازون.
ولكن المفاجأة الحقيقية هي الصورة التي يقدّمها عن لبنان، فإذا طبعت كلمة لبنان على لائحة الأمنيات، تظهر صورة شاب لبناني يحمل السلاح ويصوّبه نحو موقع أحد الانفجارات التي حصلت في السنتين الأخيرتين في لبنان. صورة لا تتناسب أبداً مع الضحكة «الأبوية» التي يغمرك بها رجل العيد مع كل هدية. وتتوالى الصور البشعة والعشوائية كلاً حسب رأي بابا نويل الذي تتحكّم به على الأرجح مجموعة من الصور المضغوطة في ملف خاص أو من تلك المتداولة على شبكة الانترنت.
والمفارقة المحزنة هي في ما يقدمه رجل العيد عن الإرهاب أو السلاح، فإذا كانت الهدية المطلوبة قنبلة مثلاً يخرج بابا نويل من كيسه صورة كاريكاتور لمواطن عراقي يطلق قذيفة من فم الجمل!