بانوراما

عثمان تزغارت

خلال 2007، ضمّ المشهد الفضائي قنوات غربية ناطقة بلغة الضاد، واثنتين على الطريق، وأخرى مماثلة من إيران («العالم»)... القاسم المشترك بين هذه الفضائيات، رغم التباين الكبير في توجهاتها، أنّها جميعها حكومية. وهي تسعى من خلالها المؤسسات الرسمية في دولها، إلى مخاطبة الرأي العام العربي، لتبرير سياساتها في المنطقة أو الترويج إعلامياً لها. ولا شكّ في أنّ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) أدت دوراً فارقاً في نشأة ظاهرة هذه القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية. أحداث نيويورك وواشنطن فتحت أعين الحكومات الغربية على مخاطر التنظيمات الأصولية الإسلامية المسلّحة، التي باتت تنشط وفق شبكات مُعولمة عابرة للحدود، وقادرة على التحرك لتوجيه ضرباتها على القارات الخمس. وكانت الدول الغربية ـــــ وخصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا ـــــ قد أدت طويلاً دور «حاضنة الأفاعي» حيال هذه الحركات الراديكالية.
دقّت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) إذاً ناقوس الخطر في الدول الغربية التي اكتشفت أنّ السحر بدأ ينقلب على الساحر، وأن الحركات الإسلامية الراديكالية نجحت في توظيف النقمة الشعبية في العالم العربي حيال السياسات الغربية المجحفة المنتهجة في المنطقة العربية. وذلك، من أجل التخطيط لمواجهة صدامية، بدأ الكثير من المحللين يحذّر من مخاطر تحوّلها إلى صراع حضارات بين الإسلام والغرب.
وقد أدى بروز «الجزيرة»، وما حقّقته من شعبية سريعة في الشارع العربي، دوراً أكيداً في توجه الدول الغربية نحو استعمال «دبلوماسية الفضائيات»، وخصوصاً أن زعماء «القاعدة»، وغيرها من التنظيمات الإسلامية المسلحة، لجأوا إلى «الجزيرة»، كمنبر لنشر بياناتهم وأشرطتهم الدعائية.
من هذا المنطلق، نشأت قبل سنوات «الحرّة» الأميركية لتكون منافسة لـ«الجزيرة»، وحاملة للخطاب الأميركي الموجّه للمنطقة العربية. وقد حاولت القناة أن تكون في البداية واجهة للترويج لمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، لكن شنّ الحرب على العراق ثم احتلاله، جعلت السياسة الأميركية تغرق في مستنقعات فضائح التعذيب والتصفيات الجماعية وجرائم الحرب، ما يفسّر إلى حد كبير تخبّط «الحرّة» وضرّتها الإذاعية «سوا»، وعجزهما عن تحقيق الشعبية المرجوّة لدى المشاهد العربي.
لكن قصور هذه التجربة الأميركية لم يمنع بروز قنوات أجنبية أخرى ناطقة بالعربية. هكذا انطلقت «دويتش فيلله» الألمانية بلغة الضاد، ومعها «فرنسا ـــــ 24»، ثم «روسيا اليوم» التي انطلقت هذا العام. وكان لافتاً أن الخطاب الترويجي الذي اعتمدته الحكومتان الروسية والفرنسية (في عهد الرئيس شيراك) ارتكز على تقديم هاتين الفضائيتين بوصفهما رافعتين لدبلوماسيتهما المغايرة للدبلوماسية الأميركية. وبالتالي، طرحهما منافِستَين لـ«سي إن إن». وقد حقّقت هاتان الفضائيتان قدراً من النجاح والصدقية، حتى إن المشاهد العربي يجد فيهما من الموضوعية والحياد في طرح بعض القضايا العربية، مثل الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي وشرعية المقاومة في العراق ولبنان، ما لا يجده لدى بعض الفضائيات المحلية، وفي مقدمتها قناة «العربية» ذات الهوى الأميركي.
في 2008، يبدو أن ظاهرة الفضائيات الأجنبية الناطقة باللغة العربية مرشحّة لأن تستمر وتتوسع، على رغم العقبات الكبيرة التي تواجهها في الوصول إلى المشاهد العربي واستقطاب اهتمامه. والدليل أن مؤسستين أوروبيتين كبيرتين، هما «بي بي سي» و«أورونيوز»، تعكفان حالياً على إطلاق فضائيتين باللغة العربية.
يذكر أن تجربة «الجزيرة الدولية» التي انطلقت في العام الماضي، شجعت إيران على إطلاق منتصف 2007، فضائية إنكليزية، تحمل اسم «برس تي في»، في محاولة لـ«كسر هيمنة المحطات الغربية».