رنا حايك
ماذا لو قرر أحد أبطال «تلفزيون الواقع» إسقاط قناعه؟ قد يغضب الجمهور، ويتّورط في انقـلاب درامي يطــيح بحلم النجومية... لكن مهلاً! نجومنا ليسوا أغبياء، والقصة هي مجرّد تواطؤ بين الكاميرا وأصحابها

في مشهد من مسرحية «فيلم أميركي طويل» لزياد الرحباني، يعترف المريض رشيد لصحافي جاء يحاوره في المستشفى، بخوفه من أبو الجواهر، ذلك الرجل القوي الذي لا يرحم. إلا أنّه سرعان ما يعكس أقواله عندما يضغط الصحافي على زرّ تشغيل آلة التسجيل، فيبدأ بالتشدّق بـ«عنترياته» الشخصية، وقدرته على «تكسير راس أبو الجواهر»... هي سلطة التسجيل، حالما تحضر هذه الآلة يحدث الانقلاب. يُخضع الإنسان أحاسيسه وتصرفاته لمونتاج منمّق، فهو محكوم برغبة في إثارة إعجاب الآخرين، والظهور بالتالي بأبهى حلّة.
يستعيد المتفرّج هذا المشهد، وهو يتابع أكثر اللحظات مفصلية في برنامج «ستار أكاديمي 4»... لحظات المكاشفة بين المشاركين، المشحونة باعترافات الحب والندم، أمام الكاميرا.
قبل أيام، أراد المشترك المصري محمد قماح، خلال فقرة التقويم الأسبوعي، أن يوضح لغطاً أحاط بعلاقته باثنتين من زميلاته: اللبنانية تينا والمصرية سالي. جثا بركبتيه أمام تينا، واعتذر منها بسبب حبه لها. كما اعتذر من حبيبها ربيع، لأنه لم يكن يعلم بوجوده في حياتها. قال إنه تخلّص الآن من هذه المشاعر، وإنها أصبحت مجرد صديقة وزميلة... ثم سألها لمَ لا تنظر إليه وهو يحدّثها، فقد كانت خافضة رأسها بسبب الإحراج الذي سبّبه لها. بعدئذ، التفت قمّاح إلى مواطنته سالي. أكد لها أنها تجسّد الوطن بالنسبة إليه، وأنه يحبها كصديقة بعدما أثير في البرنامج عن علاقة تجمع بين الطرفين، بسبب الأغنية التي ألّفها عن «الواد قمّاح ابن الفلاح اللي بيحب سالي»، وأداها في إحدى سهرات البرايم. في تلك الأمسية، سألت المذيعة هيلدا خليفة سالي إن كانت تبادله مشاعره، فردّت سالي بالإيجاب. لكن تصفيق الجمهور منعها من إيضاح الحقيقة، كما قالت لاحقاً، وهي أن مشاعرها لا تتجاوز مودّة الصداقة.
لا نريد هنا أن «نتلصصّ» على نجوم «ستار أكاديمي»، أو نخترق حميميتهم. ما يهمنا هو اختبار صدقية الصورة في برنامج قيل إنه واقعي: أن تحب أمام الكاميرا، وأن تنكسر أمامها، أن يشاهد العالم بأجمعه هذا الانكسار بسبب النقل المباشر، فيما تكون أنت بحاجة إلى خصوصية معتّمة، تذرف فيها الدموع. والأهم من كل ذلك، هو أن تنكسر، في غمرة سعيك إلى جذب جمهور، يصوّت لتكريس نجوميتك وصورتك كـ«سوبر هيرو».
استطاع قمّاح أن يختبر كل ذلك، وهي شجاعة يحسد عليها، وخصوصاً أنه بدا صادقاً في اعترافاته. إلا أن عنفوان الـ«أنا» التي يغذّيها البرنامج، والسباق على النجومية، أعاداه سريعاً إلى رشده، فحاول استعادة عنفوانه بالتأكيد مراراً أنه تخلّص من هذا الحب. إنها لعبة موازين القوى، الحاضرة دائماً بين الجنسين، لكنها هذه المرة كانت مؤرشفة. حين عاد إلى غرفته، قال لزميله ممازحاً: «كان لازم تشوف اللي عملته، وإزاي كانوا مبلّمين هما الاتنين»، وكأنه لم يتعرض لأقسى لحظات المكاشفة. ثم قال لتينا التي أتت تعاتبه على إحراجها: «عايزة إيه دلوقتي؟ وبعدين مال عينيكي محمّرة كده ليه؟» كان كمن يسدد ضربة مواجهة، خدمةً لصورته الإعلامية وكرامته الشخصية، أو كأنه يحشر زميلته في الزاوية: ماذا لو أنها تبادله الشعور ذاته؟ حتى لو أنها تفعل (وقد أوحى ردّ فعلها بذلك)، ستمنعها الكاميرا التي تنقل موقفها إلى الأهل وربيع والمشاهدين، من التّورط في أي انقلاب درامي قد يطيح بحلم النجومية... ربما هذا ما راهن عليه قمّاح حين قرر استعادة كرامته بهذه الطريقة.
بعد قمّاح، جاء دور المشترك الكويتي أحمد داوود الذي اعتذر أمام دموع زميلته المغربية أمل عن عدم مبادلتها حبها له. قال لها إن البرنامج لا يقبل الضعفاء. وبما أن الحب ضعف، آثر تجنّبه وعدم الدخول في اللعبة.
واصلت أمل بكاءها، الصاخب حيناً والهادئ أحياناً، فيما انزوى هو يخبر إحدى زميلاته كيف عزّى ضحية غرامه وخفّف عنها... آثر أحمد الحفاظ على صورته القوية أمام الكاميرا، فيما واجهت أمل ضعفها الذي عمّمته الكاميرا على جميع المشاهدين، بشجاعة ورباطة جأش غير عادية، وخصوصاً عند النساء في مجتمعنا. لم تفارقها الكاميرا بعد تلك المكاشفة، وهي لم تهرب منها. بكت أمامها وأكلت أمامها وتمتمت بكلام غير مفهوم أمامها...
يخلق تلفزيون الواقع حالاً من التضارب بين مشاعر عميقة وصورة يجب أن يصدّرها الإنسان عن نفسه أمام الكاميرا. هو يضعه دائماً في حالة من الإرباك: أين ينتهي التمثيل وأين تبدأ الحقيقة؟ بل أكثر من ذلك، يمثّل هذا النوع من البرامج مأزقاً للمشارك الذي يخضع لسلطة الكاميرا طيلة الوقت، تصادر تصرفاته ومشاعره وشخصيته، الحقيقية والمزيفة. في النهاية، يعزّي بعض المشتركين أنفسهم بعد الخسارة، بأنهم تعرّفوا بعضهم إلى بعض وكوّنوا أصدقاء جدد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تعرفوا فعلاً بعضهم إلى بعض؟ وهل يعرف كلّ منهم شخصية الآخر الحقيقية؟ الجواب نستقيه من اعترافات ريتا لمع، إحدى المتباريات في مسابقة «ملكة جمال لبنان» (نفذت على طريقة برامج الواقع أيضاً): «في كل لحظة كنت أشعر بأنني أصوّر. لذا لم أكن قطّ على سجيتي، كنّت أمثّل»!