القاهرة ـــ محمد محمود
بعد سلسلة من الدعاوى القضائية، تحررت شيرين عبد الوهاب من قبضة المنتج نصر محروس... قضية المغنية المصرية تطرح تساؤلات عن العلاقة الشائكة بين الفنانين وشركات الإنتاج. هل دقت ساعة الحرية؟

حين يوقّع مطرب على عقد احتكار طويل الأمد مع شركة إنتاج موسيقية، يغرق أصحابها بالثناء والمديح، متوقعاً أن يؤمّن له هؤلاء كل العناصر الداعمة لنجوميّته. لكن ما إن تنتهي مراسم الاحتفال، حتى تبدأ الخلافات بين الطرفين، فينتهي الأمر بعد معارك كلامية أو يستمر لأشهر في قاعة المحكمة. وغالباً ما تكون التسوية سيدة الموقف في النهاية. إذ تعجز الشركة عن إجبار المطرب على الانصياع لبنود عقدها، وخصوصاً إذا اجتاز هذا الأخير مرحلة من النجومية، يصعب بعدها السيطرة عليه.
قد تكون المصالحة بين شيرين عبد الوهاب ومنتج أغانيها نصر محروس نموذجاً للعلاقات المتقلّبة التي شهدتها أخيراً سوق الألبومات. المطربة المصرية التي ظهرت قبل عامين تقبّل يد مكتشفها، في صور وافقت على نشرها في الصحف، تمرّدت عليه في الأشهر الماضية ولم تترك وسيلة لمحاربته إلا استخدمتها.
هكذا شغلت صاحبة «آه يا ليل» الصحافة بتصريحاتها النارية ومعاركها القضائية. لكن المياه عادت أخيراً إلى مجاريها، وفضّ الخلاف، بعدما تقاضى محروس 2.5 مليون جنيه (حوالى 450 ألف دولار أميركي) ثمناً لاستعادة شيرين حريتها.
لكن، لماذا تخلّى صاحب شركة «فري ميوزيك» بسهولة عن دجاجته التي تبيض ذهباً، بعدما استفاد منها لسنوات طويلة، منذ أن زارت مكتبه للمرة الأولى، وقدم لها ألبوماً مشتركاً مع تامر حسني؟
غالب الظن أن محروس لم يستطع إرغام شيرين على الاستمرار في التعاون معه. هي استفاقت من غيبوبة النجاح، وتفطنّت بعد سنوات إلى أن عرّابها كبّل يديها بتعاقد ينصّ على إنتاج ثمانية ألبومات مقابل مبلغ زهيد، شكّل ثروة بالنسبة إليها قبل سنوات قليلة. وهكذا، بدأت شيرين تطالب نصر برفع أجرها، ثم شراء شقة وسيارة لها. وبعدما رفض طلبها، تصاعدت وتيرة الخلافات، وشهدت علاقتهما توتراً مستمراً على رغم تلبية طلباتها. وبما أن التفاصيل الصغيرة لم تعد تغري شيرين، رفضت دفع النسبة، المتفق عليها بينهما، من عائدات الحفلات التي أحيتها في معظم دول العالم. جنّ جنون نصر محروس، فرفع سلسلة من الدعاوى ضدّها، وصلت إلى صدور قرار من نقابة الموسيقيين المصريين لمنعها من الغناء في مصر.
ولم يكن أمام شيرين سوى الاحتكام بالقانون، واللجوء إلى محام محترف، طلب منها التوقف عن إجراء الحوارات الصحافية، وخصوصاً بعدما وصلت الأزمة إلى نقابة الموسيقيين، وبات النقيب حسن أبو السعود (لم ينج من لسانها السليط أيضاً)، طرفاً مؤثراً في القصة. لكن القضية سوّيت، بعدما توسط المطرب هاني شاكر لدى أبو السعود. وتراجع هذا الأخير عن موقفه، وهو ما سهّل مصالحتها على نصر محروس الذي اكتفى بتعطيل مشاريعها لأشهر، وأجّل طرح ألبومها، قبل أن يقبض ثمن الشرط الجزائي: 2.5 مليون جنيه مصري. وستدفع المبلغ حكماً الشركة التي ستنضم إليها شيرين قريباً، والأصابع تتجه نحو «روتانا»، لكونها الوحيدة القادرة على تسديد الفواتير الكبيرة.
ويتوقع عدد من المتابعين للوسط الفني أن تؤثّر قضية شيرين على عقود الاحتكار التي ميّزت أخيراً الوسط الفني. وفي حين تتحمّل شيرين وحدها أخطاء الماضي، بدأت زميلاتها توخّي الحرص في توقيع البنود والاتفاق مع شركات الإنتاج. والدليل انفصال نيكول سابا الهادئ عن المنتج محسن جابر. أضف إلى ذلك كثرة الفضائيات الغنائية التي قد تعزز موقف الفنانين، وخصوصاً أنهم باتوا قادرين على تحقيق الانتشار من دون الحاجة إلى شركات إنتاج قد تعوق تقدمهم بسبب مشاكل مادية أو إدارية. وبما أن سوق الكاسيت تعيش انهياراً مستمراً، فقد تفي أغنية وكليب واحد بالغرض. قد يكون هذا ما شجع سابا على الانفصال عن محسن جابر، ودوللي شاهين ومي سليم عن «ميلودي» (وقد انضمت إلى شركة الإنتاج الخاصة بقناة OTV المصرية). كذلك الأمر بالنسبة إلى كاظم الساهر ولطيفة اللذين وقّعا عقداً مع «روتانا» لمدة عام واحد، ومثلهما فعلت نوال الزغبي مع شركة «عالم الفن». كما ان هاني شاكر ومحمد منير ينتجان كل ألبوم مع شركة مختلفة. لذا لم تعد «روتانا» الشركة الوحيدة التي تواجه خلافات مع نجومها. على العكس، فقد استفادت من عمليات المدّ والجزر، وضمّت لطيفة تحت جناحيها، وقريباً شيرين عبد الوهاب. لذا، من المتوقع أن تنقسم سوق الغناء العربي قريباً بين شركة عملاقة هي «روتانا»، تطرد نجوماً وتستقبل آخرين، ثم شركات صغيرة، تفشل في تلبية طلبات نجومها. لذا، يتحررون منها ببطء، ويعملون مستقلّين، منتظرين نيل رضى «روتانا»!