بيار أبي صعب
سأعترف لك بأنني لم ألحظ مرور الذكرى الأولى لرحيلك، لولا مقالات في الصحف، يبحث كتّابها عن عصام محفوظ. عن شبابهم، عن عصر ذهبي بعيد، وحطام مشاريع مجهضة. هذا كلّ ما بقي لنا من سبعينيات بيروت التي كنت أحد رموزها. ألم يُعتبر «بيان مسرحي رقم واحد» وثيقة الولادة الرسميّة للمؤلّف المسرحي الحديث في لبنان؟ ولكن ما نفع كل ذلك الآن؟ فالمسرح يحتضر، ولبنان على كفّ عفريت، وأنت لم تعد هنا. تركت لنا تلك الخسارة الدائمة. السخرية المرّة لمثقف اعتاد ظلم ذوي القربى. اليأس الذي يليق بشاهد صمَتَ أكثر من مرّة، قبل أن تسدل على حياته ستارة الفصل الأخير. انسحبتَ من الشعر، من المسرح، من الكتابة، وأخيراً من المدينة التي كادت تنساك في عزلتك ومرضك وفقرك.
فقط لو تعرف، كل ما جرى منذ غيابك. لو أن ميشال نبعة هـــــــــنا لأعاد تقديم «الديكتاتور»، إنما على شكل مهزلة مسرحيّة! الخونة أبطال، والأبطال في قفص الاتهام. إنه لعالم عبثي حقاً. المنابر التي جرحتك حتّى الموت تحتفي بك. عام كامل مرّ، حدثت فيه أشياء كثيرة، غريبة وخطيرة، مريرة وجميلة أحياناً. أقفلت في شارع الحمراء المقاهي القديمة التي «غيرتم» فيها العالم. وكنا مشغولين بموتنا اليومي. لكن طيفك هنا، يهمس لنا أسئلة لم تعد على الموضة. نفتح كتبك الأخيرة. هنا يطالعنا الشيخ الأكبر ابن عربي، وهناك نلتقي صحبك الملحدين ابن الراوندي وأبو بكر الرازي وجابر بن حيّان. ونقرأ في «الإرهاب بين السلام والإسلام» (الفارابي ــ 2003) أن الإرهاب بضاعة أميركيّة أفرزها «مشروع الإمبراطورية الكونية».
ماذا بعد؟ النهضة مؤجلة، ونحن الآن نبحث عن سبل تَداري الفتنة الأهليّة، ونستعدّ لشرق أوسط جديد... نبحث عن مقاهٍ أخرى نجدك فيها. فتسألني مجدداً من خلف نظارتيك السوداوين: «شو عم تعمل بهالأيام؟». وكالعادة أجيبك: «والله رواق. عم بنحرتق شويّ بهالصحافة!».