strong> عبد الغني طليس
لا يرغب الفنان مروان خوري في سماع من يتحدّث إليه عن أنه ملحن قبل كونه مغنياً، على رغم أنّ اسمه ذاع أولاً بعد تلحينه عدداً من الأغاني اللبنانية التي حصدت إعجاباً شعبياً ولفتت الانتباه إليه، والى لغته الموسيقية الراقية المشبّعة أناقةً، والى شخصيته الانسانية والفنية معاً. ولا يخفى ما للصفات الشخصية لدى الفنان من تأثير حقيقي في تكوين صورته لدى الناس، ولا سيما عندما تكون موهبته مكتملة العناصر تقريباً، على الأقلّ في تدفقها وغناها قبل ظهور عمقها الاحترافي.
وعدم الرغبة هذه نابعة من هواه للغناء أصلاً، وشعوره بأنه يقدم أداءً مختلفاً عن زملائه، واكتسابه موقعاً جيداً كمغن لدى الجمهور، قد يفوق موقع بعض المغنين الذين سبقوه في العمل الفني. وهذا يبدو محقاً. لكن بمجرد مقارنة متانة تركيب لحن مروان مع “بساطة” صوته، وقوة التأثير في جملته اللحنية مع عادية التأثير في حنجرته، واتساع نطاق شهرته ملحّناً مع تواضع شهرته الغنائية لدى الجمهور... كل هذا يدفعنا الى الاقتناع بأن مروان خوري ملحن كبير. أما في الغناء، فهو ليس حاضراً بالقدر الموازي. وعلى رغم ذلك، اتخذ مروان قراراً بالتخفيف من كمية الألحان التي يوزعها على أهل الغناء، من أجل إعطاء صوته الأولوية المطلقة. إنه، ببساطة، أحد أسوأ القرارات التي اتخذها أو يمكن ان يتخذها في حياته. قرار ينسبه بعضهم الى حاجة مروان إلى منح صوته فرصاً أكبر بعد ولوجه دائرة المنافسة الغنائية مع آخرين، وربما الى جحود بعض المغنين فضله عليهم في أغان نالوا الشهرة عبرها. ومهما تكن الأسباب، فإن هذا القرار يمكن ان يرتدّ سلباً على خوري في التلحين وفي الغناء معاً.
كيف؟ في التلحين، لقد أعطى خوري جزءاً يبدو يسيراً مما في داخله من حيوية غنية... هكذا تقول ألحانه الجميلة التي تشير الى ان صانعها يغرف من بحر متعدد الوجوه، في خيال موسيقي خصب. لذا عندما يحدّ من ذلك الخيال لأي سبب كان، سيقلّ إنتاجه الخصب، ولن يترجم إلا عبر بعض الألحان التي قد ينذرها لصوته المحدود الإمكانات، فتكون النتيجة: طاقة تلحينية غير محدودة الإمكانات أمام طاقة غنائية محدودة.
وفي الغناء، أعطى مروان خوري كل ما عنده أو أكثر ما عنده، على صعيد طاقات الصوت وأبعاده. وما لا يزال كامناً حتى الآن من تلك الطاقة، ليس كافياً لتغطية قراره بـ“الاعتزال” عن التلحين للآخرين. فضلاً عن ان هذا “الاعتزال” سيمنع خوري من تقديم ألحان كبيرة لا يقوى صوته على تقديمها، نظراً الى ما قد تتضمنه من حالات أدائية صعبة ومركّبة وملوّنة التقاسيم الصوتية صعوداً وهبوطاً، وسيخسر تالياً قدرته على تفجير مكنونات لحنية موجودة في داخله، تستدعي قدرات غنائية كبيرة موجودة لدى الغير...
إن قرار مروان خوري باحتراف الغناء كان صائباً حتى قبل أن يقرر تقنين التلحين للآخرين. القرار الأول كان تلبية لدوافع فنية نفسية تنتاب عادة كل الملحنين أصحاب الأصوات المقبولة في الغناء، وكان تنويعاً فنياً أضاف الى شخصيته نجومية المغني لا الملحن فقط. أما القرار الثاني فهو قطعاً خاطئ، ومن المؤسف ألا يتراجع عنه لأنه سيؤدي الى بلبلة حقيقية في علاقة خوري بنفسه، وفي علاقته بالفنانين الآخرين من دون أن يستحق البديل هذه المغامرة. وفي ثقافة مروان خوري المتميزة ما لن يجعل الانفعال يسيطر طويلاً.