الرياض ــ علاء اليوسفي
  • بطلها «الثالوث المحرّم»... في انتظار النضج

    يشهد الأدب السعودي فورة حقيقية، جعلت منه ظاهرة مثيرة للفضول والاهتمام... معظم العناوين التي صدرت خارج المملكة، تطرح السؤال عن الحدود الواهية بين الفضيحة والأدب. لكنّها مانيفستو واضح لمجتمع في مهبّ التحولات

    2006 سنة الأرقام القياسية بالنسبة إلى الانتاج الروائي السعودي الذي شهد ظهور ما لا يقلّ عن 50 رواية (مقابل 26 رواية في عام 2005)، وفقاً لدراسة أعدها القاص السعودي خالد اليوسف تصدر قريباً. ومن بين تلك الأعمال، 24 عنواناً حملت توقيع روائيات معظمهن تتراوح أعمارهن بين 20 و 24 عاماً، و19 منهن يصدرن باكورتهن الادبية. والأهم من كل هذا أنّ تلك التجارب تدور بأكثريّتها الساحقة في فلك الثالوث المحرّم أي الدين والسياسة والجنس، في مجتمع ما زال مغلقاً على نفسه من الصعب دخوله أو تشريع نوافذه على العالم الخارجي.
    ما سبب هذه الطفرة الروائية في المشهد الثقافي السعودي؟ وهل الاعمال الجديدة تتناسب مع المعايير النقدية الروائية؟ يكاد معظم النقاد يجمعون على أنّ الإعلام أدى دور المحفز لهؤلاء الشباب، فيما فتحت تجربة رجاء الصانع في روايتها “بنات الرياض” (2005) الباب واسعاً أمام إصدارات لاحقة تحكي قصة الجسد المكبوت والمحرمات الاجتماعية. لكن لا شك في أنّ هناك عوامل أخرى تتجاوز دور الإعلام، لتطول الحراك الاجتماعي والثقافي الذي تشهده المملكة منذ فترة.
    يرى الناقد والأكاديمي معجب الزهراني أنّ تكاثر المغامرات الروائية في المملكة، لا بد من قراءته ضمن سيرورة تحول شاملة في المجتمع. و“ما يضفي بعض الخصوصية والجاذبية على تلك الظاهرة أنّ مجتمعاً بأكمله ظلّ معتماً كقارة مجهولة، إلى أن بدأت تقنيات التواصل تكشف الكثير من مستوراته. كما أنّ ضيق مساحات التعبير الحرّ والحياة المفتوحة، يجعل الرواية سفينة نوح و... مركبة أبولو في الوقت عينه! أقصد أنّ جيلاً جديداً يتخذ منها فضاءً بديلاً للتعبير عن ذاته، والتواصل مع غيره كما يريد. وذلك إما خلاصاً من حصار الأيديولوجيا التقليدية المتزمتة، وإما مجابهة لها”. ويشير الأكاديمي السعودي إلى أنّه ليس من باب المصادفة أنّ كل الكتابات الروائية التي تمخّض عنها هذا الجيل، تتمحور حول الجسد الفردي ومعاناته التي لا تخلو من اللذة: “الجسد هو أيضاً قارة مجهولة، وضعتنا الحداثات كلها على تخومه منذ عقدين. والتركيز اللافت للنظر على الجسد الفردي الأنثوي، مبرر هو أيضاً من هذا المنظور، لأن منطق التأثيم والتحريم يتمركز حوله خصوصاً”.
    وعما لفته في الإصدارات الجديدة، يشير إلى “بنات الرياض” لرجاء الصانع، و“الآخرون” لصبا الحرز. ويضيف “قد لا أبالغ إن اعتبرتُ رواية صبا الحرز من أهم المنجزات الروائية العربية لعام 2006، بسبب غوصها الماهر في ما وراء نتوءات الحياة اليومية ونزوات الجسد المعطوب”.
    بدوره، يرى محمد العباس أنّ مجموعة أسباب تقف وراء هذه الغزارة الإنتاجية. لكنه يتوقف عند مفهوم الرواية، “ليس كل ما أنتج يتناسب مع مفهوم الرواية. الكتابة الروائية هي في الغالب على صلة بمعنى الكتابة ومفهومها. والكتابة في الأصل على صلة بمفهوم الهوية وحضور الذات وتعبير عن الفردانية. هذا عندما نتحدث عن المجتمع الناضج الذي يعي تماماً معنى أن يكون هناك منجز روائي. أما عند الحديث عن مجموعة من المحاولات الروائية، فإنها لا تعني أكثر من الرغبة في الحضور، خصوصاً أنّ هناك ظاهرة إعلامية تعمل بمثابة المحفز أو الرافعة، لتعظيم الجهد الثقافي من دون رصيد حقيقي”. أما الغزارة الانتاجية التي تشهدها الساحة السعودية، فيبحث عن مسبباتها في عمق الذات الجماعية: “أعتقد أننا أمام مجتمع (والكلام نفسه ينطبق على الفرد) يحاول أن يُروى، أي أن يخرج إلى العلن والشرعيّة من خلال الرواية. وعندما يقرر مجتمع أن يحضر فإنه يمتلك من الطموحات والتناقضات والحصارات النفسية والاجتماعية ما يدفع بالفعل الروائي إلى شيء من هذا القبيل”. ويضيف العباس: “تعدّ بعض الروايات حفْراً أولياً يهيئ لحفر أعمق مقبل، وبالتأكيد ثمة روايات نقلتنا من مجتمع ما قبل الرواية إلى مجتمع يحاول الحضور في الرواية. فالموضوعات المقاربة كانت حكايات شفهية تتداولها الألسن. الآن الفعل الروائي هو تدويني يقارب الموضوعات الاجتماعية والنفسية”.
    ويختلف عبد السلام الحميد، وهو قاص من الجيل الجديد، مع الآراء السابقة عن التجربة الروائية الشبابية: “نحن نعيش انفتاحاً ثقافياً لم تشهد له البشرية مثيلاً. في الماضي القريب، شهدت بلادنا طفرة في الانفتاح المعرفي والثقافي، عبر إطلاق الحريات، وإزالة أكبر قدر ممكن من الحواجز الرقابية. وتراجعت الحساسية تجاه الآخر، بعد أن عبّرت عن نفسها، في الماضي القريب والبعيد، بأكثر الأشكال شراسة. وهو ما أنتج اتساعاً في هامش الحرية، سواء من حيث طرح الأفكار... أو النشر الورقي والإلكتروني”. ويضيف “ساهم كل ذلك في زيادة الحساسية الإبداعية في المجتمع. أضف إلى ذلك أنّ ظهور وزارة الثقافة تعبيراً عن وجهة نظر جديدة، لم تكن موجودة من قبل لدى مؤسسة الدولة تجاه المعرفة وتفعيل الثقافة السعودية، أنتج قرارات وإجراءات دعمت المثقفين والمعرفة وحرية الرأي. لذلك يمكن رد هذه الغزارة في الإنتاج الى أسباب مجتمعية شاملة انعكست على المبدعين. وجاء اختيارهم للسرد طبيعياً. الرواية هي ديوان العرب الجديد”.
    أما إنتاج عام 2006، فيراه محمد العباس تكملة لمرحلة التسعينيات، ويرى أنّه لا يزال يراوح مكانه على الصعيد القيمي. وعلى الرغم من أن إنتاج عام 2006 قارب موضوعات على درجة من الحساسية والتنوع، يرى أن المنجز الروائي لم يسجل، على المستوى الفنّي، تجاوزاً في المعيار الموضوعي: “لم أجد رواية ناضجة، هناك مقاطع من روايات”. يرى عبد الحفيظ الشمري، أن الكتابة الأنثوية ما زالت تحتاج إلى تكثيف في الرؤى. “التجربة الروائية الجديدة في السعوديّة، ما زال يعتريها ألم البدايات الذي لا يجد له سنداً في الذائقة وفي القراءة الناقدة. بمعنى أنّنا أمام معضلة البناء الهش الذي يعتمد على الخاطرة، وعلى البوح الأنثوي، كرافد من روافد كتابة النص الروائي”. ويخلص إلى أنّ ما يكتب اليوم يهدف الى تحدّي السائد، والخروج على المحظور.
    كل ذلك لا يمنع دور النشر، اللبنانيّة أساساً، من احتضان تجارب ونصوص وأسماء ــ آخرها ابراهيم بادي (“حب في السعوديّة”، دار الآداب)، وهاني نقشبندي (“اختلاس”، دار الساقي) ــ متفاوتة في عمق التجربة ودرجات النضج... إنما يجمع بينها هاجس كشف المسكوت عنه في المجتمع... تمهيداً لتغييره. فماذا عن الأدب؟ إنه أيضاً وليد التراكم والتفاعل، ورهن بتطوّر المجتمع وانفتاحه.