القاهرة ــ محمد شعير


  • محاكمة الملتقى الذي استبعد الشباب... وتجاهل الشعر



    جابر عصفور يتبرأ، وحجازي كان يطمع بالجائزة إضافة إلى زعامة المؤتمر... وأحد الشعراء المصريين يسأل: ما حاجة محمود درويش إلى جائزة من صنع الأجهزة الرسمية؟ ماذا بقي من “ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي” بعد إسدال ستارة الفصل الأخير؟


    اختتم “ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي” أول من أمس فعالياته بمنح الشاعر الفلسطيني محمود درويش جائزة القاهرة للإبداع الشعري (17 ألف دولار أميركي). الملتقى الذي استمرت أعماله ثلاثة أيام، شهد أشدّ أنواع “الخلافات” بعدما قرّر شعراء السبعينيات المصريون مقاطعة جلساته احتجاجاً على سياسة اللجنة المنظّمة في التحضير للملتقى. حتى أنّ منح الجائزة لدرويش أثار سلسلة من الأسئلة مثل: ماذا يعني أن يدخل شعراء كبار في مسابقة من صنع الأجهزة الرسمية؟ هل يحتاج محمود درويش إلى جائزة ملتقى أجمع حتى المشاركون فيه على أنّه مؤتمر تجاهل الشعر؟ وهل الجائزة هي انتصار لذائقة أم مداعبة لنجومية واستفادة من شعبية طاغية لشاعر كبير؟
    الشاعر محمد عفيفي مطر رفض التعليق على ما جرى، رغم أنّه كان من بين ثلاثة اقتُرع على اسمهم في نهاية التصويت. قال ساخراً: “أنا رميت طوبة البلد منذ زمن، لا أريد أن أشارك في شيء أو أعلّق على شيء”.
    “إنه مؤتمر لتجاهل الشعر” قال الشاعر إبراهيم داوود الذي أصدر أخيراً ديوانه الرابع “حالة مشي”، مضيفاً أنّ المؤتمر لا يعبّر عن الشعر العربي، بل إنّ معظم الشعراء المشاركين من البلاد العربية ليسوا موجودين على خريطة الشعر العربي، وغير معترف بهم في بلدانهم (مع استثناءات قليلة). داوود يرحّب بأيّ جائزة للشعر، شرط أن يبتعد عنها هؤلاء “الموظفون والنقاد الكسالى الذين يعتبرون أنّ الشعر غير مربح لهم على الإطلاق”. ويختتم: “كنت أتمنى أن يأتي المؤتمر معبّراً عن الشعر. لذا أجد لزاماً عليّ أن أعتذر للشعراء العرب. ما زال لدينا خيال، غير الخيال السلفي الذي أدير به الملتقى، ممثلاً في طريقة تفكير مقرّر الملتقى أحمد عبد المعطي حجازي... أؤكّد لهم أنّ الشعر في مصر في مكان آخر أوسع وأجمل”.
    من جهته، يرى عبد المعطي حجازي أنّ الطريقة التي مُنحت فيها الجائزة كانت خاطئة فيما تتوافر طرق أفضل لا تسبب حرجاً لكثيرين. “فالجوائز الأجنبية تقوم على معايير واضحة، تختار شاعراً كل عام من دون أن تضعه فى مقارنات مع أنداده، فالفروق بين الشعراء العرب الكبار محدودة”. ويضيف: “جائزة “غونكور” الفرنسية مثلاً ذات تأثير كبير، رغم قيمتها المادية القليلة. فالكتاب الفائز يصبح بين الأكثر مبيعاً. وهذا هو التكريم الحقيقي”. لكن لماذا لم يعتمد حجازي تلك المعايير، وهو المسؤول عن تنظيم المؤتمر؟ “ورثنا من مؤتمر الرواية السابق نظمه وقوانينه. منذ البداية طلبتُ ألا يكون لي علاقة بالجائزة. ورفضت أن أكون رئيساً للجنة التحكيم!”. ما لا يقوله حجازي أنّه كان منافساً حتى اللحظات الأخيرة على الجائزة، ولم يطلب سحب اسمه من لائحة المرشّحين. يعترض الشاعر: “دفعتني اعتبارات خاصة إلى الطلب من الدكتور جابر عصفور أن يسحب اسمي من المنافسة قبل أسبوعين من بدء الملتقى”. ويرى صاحب “مدينة بلا قلب” أنّ محمود درويش شاعر كبير يُشرّف الجائزة، ولو أن رغبته الشخصية كانت أن تذهب جائزة الملتقى إلى نازك الملائكة...
    الشاعرة رنا التونسي التي أصدرت أخيراً ديوانها الرابع “تاريخ قصير” ترى أنّ “نازك لم تحصل على التكريم الذي تستحقّه رغم دورها الرائد في الحركة الشعرية العربية، بينما لا أجد في أعمال درويش الأخيرة ما يستحقّ الجائزة”. رنا لم تحضر سوى ندوات قليلة في الملتقى، وكانت تتمنى أن تكون الأسماء المشاركة أكثر قيمة وأهمية. وتؤكد التونسي: “لا أحد يسعه استبعاد الشعر، والقصيدة الجيدة ضد المنصات والمنابر، والشاعر الحقيقي ضدّ المؤسسة”.
    وينفي عبد المعطي حجازي استبعاد شعراء النثر لمصلحة القصيدة التقليدية: “اخترنا 35 شاعراً عربياً للمشاركة فى الأمسيات، ثلثهم على الأقل يكتب قصيدة النثر”. وراح يعدّد الأسماء من بول شاوول وعباس بيضون من لبنان، علي منصور وفاطمة قنديل من مصر، ربيعة جلطي وحبيبة محمدي من الجزائر، بروين حبيب من البحرين، ابتسام المتوكل من اليمن وآخرين... لكنّ بروين حبيب التي استضافت حجازي في برنامج سابق لها على فضائيّة “دبي”، لم يصدر لها أي ديوان شعري، فيما استُبعد شاعر بحريني من وزن قاسم حداد. يجيب حجازي: “لقد وجّهنا الدعوة لقاسم لكنّه اعتذر بسبب مرضه، وبروين شاعرة لها حضورها، تكتب قصيدة النثر”.
    الدكتور جابر عصفور الذي بدا متبرئاً من اختيار المشاركين في المؤتمر، أكّد في الجلسة الختامية أنّه يستحيل أن يجمع الملتقى كل الشعراء، لذا يلجأ إلى “التمثيل” بمعنى اختيار ممثل من التيارات الإبداعية المختلفة. الا أن عصفور عاد وأكّد لـ“الأخبار” أنّه بوصفه الأمين العام لمجلس الثقافة الأعلى يرحب بكلّ المشاركين، لكنّه بوصفه ناقداً، يرى أنّ بعض من شاركوا في الملتقى لا يمتّون للشعر بصلة. عصفور الذي سيغادر منصبه في 25 آذار (مارس) المقبل، أضاف أنّه سيقترح على الناقد علي أبو شادي الذي سيتولى المسؤولية بعده، إقامة ملتقيات شعرية سنوياً، لجيل من الأجيال المتتابعة في الوطن العربي، حتى لا يظلم أحد. وقال عصفور إنه يشهد بالنزاهة والحيادية للجنة التحكيم، ولم يتدخل أحد في عملها. حتى أنّ الشعراء المصريين الذين رشحوا للجائزة طالبوا بألا يتم الاقتراع عليهم، لتمنح الجائزة في دورتها الأولى لشاعر عربي. ويضيف: “طلبت من حجازي أن يقدم هذا الطلب مكتوباً، لكنّه لم يفعل. وعندما اقترحت هذا الرأي على اللجنة، قالوا لي: نشكرك على الاقتراح لكن لا نريد من أحد أن يفرض علينا شيئاً. لكنهم لم يلتزموا بالرسالة وكان منطقهم أن الجائزة للشعراء العرب، وليس من الموضوعية أن يُستبعد المصريون منها”.
    وكشف جابر عصفور أنّ لجنة الشعر نفسها أسهمت في اختيار لجنة التحكيم. ويشرح: “طلبنا من مقرري اللجنة أن يختاروا 20 اسماً. وبالفعل، اخترنا أربعة أسماء من القائمة التي قدموها لنا من بينهم محمد حماسة، وريتا عوض، ومحمد فتوح وحمادي صمود”. وأضاف عصفور: “إن منح الجائزة لدرويش يعني أن سعدي يوسف حصل عليها أيضاً. هذا ما أشار إليه سعدي فى حوار بيننا. وللأسف لم يكن لدينا سوى جائزة واحدة. وليس في ذلك حرج على الإطلاق لأن كلّ لجنة تحكيم تواجه هذا المأزق عندما تواجَه بهذه القامات من الشعراء. لكنّها تضع اعتبارات تسير عليها لاختيار الفائز مثل الإضافة النوعيّة، وتعميق المساحة الجمالية، والتأثير في الأجيال المتعاقبة، والأبعاد التجديدية”.