رنا حايك
حطّ راقص الباليه والبهلوان الفرنسي جيروم توماس رحاله في بيروت، ليقف على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، بدعوة من «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» هذا المساء، ناشراً ألوان «قوس قزح»، عنوان آخر أعماله التي تعرض في العالم منذ شباط (فبراير) 2006.
جيروم توماس الذي تلقّى تكوينه الفني في أروقة السيرك وعروض الكباريه، سحره عالم الجاز باكراً، وألهمته أعمال موسيقيين مثل برنارد لوبادة وكارلو ريزو وميشال بورتال وديدييه لوكوود، فتعاون معهم ومع آخرين بتقديم أعمال فنية تقوم على الارتجال. توالت عروض فرقته التي أسسها عام 1993، وأغنى خبرته ومفهومه الإبداعي عبر تنظيم دورات تدريبية، ومن خلال محاضراته في «المعهد العالي لفنون السيرك» الفرنسي، وعبر تعاونه مع معهد السيرك في موسكو...
إلا أن الترجمة العملية لرؤيته الفنية جاءت بعد توصّله، مع زملاء له، إلى إرساء أول مهرجان من نوعه حول «أعمال الخفة المعاصرة والارتجالية» عام 1996.
في «قوس قزح»، يكرّس البهلوان ومصمم الرقص الفرنسي سنوات قضاها في بحثه عن المزج بين البهلوانية التي ترتكز على التلاعب بالكرات والدوائر وسائر فنون التعبير الجسماني، ليقدّم عملاً يتحرر من جمالية البهلوانية الكلاسيكية ويطوّر لغة فنية جديدة سمّيت «البهلوانية التكعيبية» لمزجها بين أعمال البهلوانية والرقص. بالنسبة إلى جيروم توماس، «البهلوانية فن تجريدي»، يطوّعه في «قوس قزح» ضمن قالب كوريغرافي، ليبرهن أن جماليته لا تتوقّف على سطوة التقنية.
من خلال الموسيقى التي وضعها النمسوي ماكس ناجل، رائد الارتجال والموسيقى المعتمدة على الحدس، يقدّم توماس أول عرض يمزج الباليه بالأعمال البهلوانية من خلال مشهدين متباينين يستكشفان أسلوبين في الإبــــــــــــــداع الفني: المشهد الأول (50 دقيقة)، عــــــــــــــنوانه الجزء الأول من كلمــــــــة قوس قزح في اللغة الإنكليزية (rain) أي المطر، لوحة تطغى عليها صفات الحســـــــــــــية والغموض. وتقوم على المــــــــــــزج بين تعاريج الجسد السابح في ليل لا تضيء ظلمته، سوى كرات البهلوانات البيضاء التي تتطاير بين أنامل الراقصين.
أما المشهد الثاني (40 دقيقة)، فهو النقيض المفعم بألوان قوس قزح (bow). تتفجّر فيه الألوان تحية لعوالم السيرك والكباريه، ويحاكي الجسد من خلاله مدرسة العبث وفن الباروك، ذلك الأسلوب الفني القائم على الحركة والحرية في الشكل. في هذه اللوحة، يحتفي الراقصون بكل ما تقع عليه أياديهم من مظلات ومكانس ورِيَش، مفجّرين طاقة مستعرة يحرّكها فرح المهرّجين الذي لا يهدأ...
يؤكّد توماس: «لا نستطيع مزج الألوان، إلا إذا عرفنا اللون. يعتمد الباليه في قوس قزح على هذه المعادلة، وذلك من خلال خلق اللون وسطوع فلسفة للحركة المرتبطة بالممارسة في اللوحة الأولى. ثم من خلال مزج الألوان المبني على مزج الأشكال الفنية والأفكار المتنوعة في اللوحة الثانية. وفي النهاية، يجد المتفرّج نفسه أمام عمل وُلِد عبر أساليب مختلفة، يختار بينها المبدع دون أن يتقيّد بأسلوب معيّن أو بمزاج محدّد».
الجمهور على موعد الليلة مع جردة بصرية، تستعيد الأشكال البهلوانية التي سادت خلال القرن الأخير، لوحة ملوّنة ونزوة من الحركات والارتجالات والسحر والمفاجآت... يقوم بها محترفون يمارسون ما يحاكي الرقص، من دون أن يكون رقصاً...

هذا المساء في مسرح المدينة، شارع الحمراء. هاتف 735010/01