بيار أبي صعب
منذ «الجبل الصغير» (1977) لم يتغيّر الياس خوري كثيراً. تقمّش نصّه ونضج، طال نفَسه الروائي فنحا إلى الملحميّة. لكن نبض الكتابة لديه بقي على حاله، كما غافل به السرد العربي أواسط السبعينيات مع «عن علاقات الدائرة» (1975)، فأخذه إلى حيث تضيع الحدود بين الخاص والعام، الفرد والجماعة، الراوي والبطل، الـ«قبل» والـ«بعد»، الـ«هنا» والـ«هناك»، الـ«أنا» والـ«هو». في نصّه تختلط الأزمنة والضمائر، الكلمات والأفعال، في لعبة معقّدة تقطع مع القوالب السائدة، ومع نظام القيم الذي تنحدر منه... وربّما أمكن القول إن أدب الياس خوري يبدأ من خياراته الشكليّة التي تُعْتَبر معادل جماليّاً لراديكاليّة سياسيّة يضيق بها «14 آذار». لعلّه امتداد بعيد وخاص، لمدرسة «الرواية الجديدة» التي تشكّلت في فرنسا منذ خمسينيّات القرن الماضي، على يد كتّاب جمعت بينهم علاقة صداميّة بزمنهم، وحاجة كيانيّة إلى تجاوز الواقع أدبياً وسياسياً وأخلاقيّاً...
ولا شكّ في أن رواية «كأنّها نائمة» تمثّل ذروة في ذلك المسار الأدبي. يستعمل خوري المساحة التي يتيحها الحلم، ليمضي في نسج عالم خارج مدار الجاذبيّة السرديّة (بين لبنان وفلسطين عشيّة النكبة). في هذا الإطار النموذجي، حيث الحدود واهية بين الرؤيا والحقيقة. يعيد الكاتب تركيب العالم على طريقته، وتوليف الزمن المهدور، واستعادة الأحداث التأسيسيّة، وتعويض الجغرافيا الهاربة، وكتابة جمل من نوع: «فتحت ميليا عينيها من أجل ترتيب المنام، قبل أن تعود إلى النوم من جديد، فلم تر سوى عينين مفتوحتين على الظلام. فتحت عينيها فرأت عينيها، وخافت».
تحلم ميليا حياتَها، أم تعيش أحلامَها أم تمهّد لموتها؟ (أيّ علاقة بينها وبين سارة بطلة جوناثان كو في «بيت النوم»؟). نحن في مكان قريب من «هيروشيما» مارغريت دوراس، و«مارينباد» ألان روب غرييه. بين الحلم والنوم والموت خيط رفيع لا تلتقطه إلا الكتابة...