كان جان دوفينيو سيبلغ 86 سنة يوم غد. إلا أنّ هذا الروائي الفرنسي وعالم الاجتماع الذي اشتهر بدراساته ومؤلفاته السوسيولوجية عن المسرح والأعياد، توفّي السبت وفق ما أعلنت أسرته أمس. كاتب وناقد مسرحي، روائي وعالم اجتماع وأنثروبولوجيا. كان جان دوفينيو قبل أي شيء آخر، شريكاً متحمّساً في المغامرات الفكرية والأدبية الجريئة التي شهدتها أوروبا، وفرنسا تحديداً، بعد الحرب العالمية الثانية. على مفترق بين المسرح والأدب وسوسيولوجيا الفنّ، وقف دوفينيو مطلقاً رؤية مختلفة وجديدة إلى مجتمعنا المعاصر. وُلد في 22 شباط (فبراير) 1921 في لاروشيل، ونال الدكتوراه في الآداب من جامعة باريس، ثم صار أستاذاً محاضراً في جامعة تونس فجامعة تور (1965ــ1980)، وصولاً إلى جامعة السوربون ــــــ باريس 7، حتى تقاعده عام 1991. وتتلمذ على يده عدد كبير من الباحثين والمسرحيين العرب، كما أشرف مع المسرحي السوري شريف الخزندار على مسرح “دار ثقافات العالم”. أسّس دوفينيو مجلات عدة، منها Le théâtre populaire (المسرح الشعبي) مع رولان بارت، وArguments (حجج) مع إدغار موران في خمسينيات القرن المنصرم، وCause commune (قضية مشتركة) مع جورج بيريك في السبعينيات.
ألقت أعماله ودراساته الضوء على الوظائف الاجتماعية للفنّ والمسرح، كما في كتابه “مقدّمة الى علم الاجتماع” (1966)، ووظيفة الاحتفالات واللعب في “أعياد وحضارات” (1973)، “اللغة الضائعة” (1975) و“سوسيولوجيا المسرح” (1965). فيما لعب دور الأنتروبولوجي في “شبيكة” (1968) الذي جاء نوعاً من دراسة إثنية لقرية في المغرب العربي، هي التي فتحت له كتابات المستعرب جاك بيرك النافذة إلى التركيبة المعقّدة لهذه المنطقة من العالم. شرّح الراحل صلات القربى في المجتمع، ورسم الحدّ الفاصل بين المستويات المختلفة للتضامن في كتابه “التكافل” (1986) بدءاً من صلات “الدم” التي تؤسس العائلة وصولاً إلى صلات «العقل والمنطق» التي تتأسس بالعمل أو الحقّ، مفنّداً الالتباسات الكامنة في اختلافات المصطلحات والمعاني. هذا المنقّب في أعمال دوركهايم الذي ترك بصماته عميقاً في ما يُعرف بسوسيولوجيا المتخيلات الاجتماعية، تحوّلت أعماله ودراساته ومؤلفاته إلى مراجع كلاسيكية.
خيّمت على أعماله تيمة الفوضوية والضحك و“هبة اللاشيء”(1977) وفق عنوان أحد كتبه. هو الذي تحدّث دوماً عن جمال العيش في اللاشيء، لكنّه كان يعني ذلك اللاشيء الذي يصنع قيمة الوجود الفردي والجماعي، على حد سواء. هذا الشعور بأنّ أفضل الأشياء في الوجود هي تلك العابرة التي لا تتراكم أبداً، الضائعة دوماً... فمن هذه اللحظات بالذات تنبع لذة العيش برمته.
(الأخبار)