بيار أبي صعب
تكاثرت “المدوّنات” على الإنترنت، وصارت منبراً بديلاً للتواصل، فضاء الحريّة المستعادة. في مصر تحديداً، تفتّحت الأصوات والمواقع. يكفي أن تنقر على “الماوس”، أن تداعب لوحة المفاتيح قليلاً... كي تأخذ ثأرك (التاريخي) من السلطة المستبدّة وخطابها وكل رموزها وأدواتها. لمسة واحدة تعيد إليك ما فاتك من الديموقراطيّة منذ... الحجّاج بن يوسف.
لكن الحريّة يا صاحِ ليست بهذه السهولة... إنّها محض سراب في ديار العرب. وإذا بـ “المدوّنين” أو البلوغرز يصبحون “الخطر القومي الرقم واحد”. لمس “الكيبورد” بات عملاً تخريبياً وتهديداً للسلامة العامة! الشاب المصري عبد الكريم نبيل سليمان تعلّم الدرس قبل يومين على حسابه، بعدما حُكم عليه بالسجن أربع سنوات، في الإسكندريّة، بسبب كتابات ضمنها مدوّنته على الشبكة. ليس الشاب العشريني مفكراً راديكالياً، ولا مناضلاً خطيراً يتآمر على قلب نظام الحكم في بلاده، بل طالب سابق في جامعة الأزهر، أراد أن يعبّر عن بعض مواقفه في شؤون الدين والدنيا. أدين سليمان ــــــ وهو أول مدون في مصر يحاكم بسبب كتاباته على الإنترنت ــــــ بسبب مقالات نشرها في مدونته منذ عام 2004.
الحادثة أقامت العالم ولم تقعده. اعتبرها كثيرون سابقة قضائية في مصر تقيّد حرية التعبير على الإنترنت. وتحرّكت «منظمة العفو الدولية» من لندن، ومنظمة «صحافيّون بلا حدود» من باريس. حتّى الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، أدان الحكم وقال إن واشنطن «قلقة» على حرية التعبير...
في عام 2004 ألقت الشرطة المصريّة القبض على شهدي سرور، نجل الشاعر والمؤلف المسرحي والممثل الراحل نجيب سرور، لنشره على شبكة الإنترنت قصيدة مثيرة للجدل كتبها والده قبل ثلاثة عقود. الفرق بين الحادثتين أن «... أميّات» نجيب سرور موجعة حقاً، وراهنة بشكل مدهش. وأن مشروع بناء «الشرق الأوسط الجديد» لم يكن قد دخل مرحلته الحاسمة...