تعقيباً على مقالة الزميل عثمان تزغارت، بعنوان «وأصبح لصحافيّي تونس... نقابتهم»، («الأخبار»، 29 أكتوبر ٢٠٠٧) جاءنا من محمد معالي، عضو الهيئة التأسيسية لـ“نقابة الصحافيين التونسيين ــــ الاتحاد العام التونسي للشغل” ردّ مطول ننشر منه المقتطفات الآتية: نشأة الحركة النقابية التونسية لم تبدأ في الخمسينيات، كما أشار المقال، بل في بدايته. و«الاتحاد العام التونسي للشغل» لم يكن أول تنظيم نقابي وطني، بل شهدت البلاد تأسيس نقابتين مستقلّتين عن التنظيمات الفرنسية، الأولى بقيادة محمد علي الحامي عام 1924، والثانية بقيادة بلقاسم القناوي عام 1937(...).
أما الزعم أن «القطاع الإعلامي ظلّ من المجالات المحفوفة بالمخاطر في أيّ نشاط نقابي يحاول الانتصار لحقوق العاملين فيه»، فأمر يفتقر إلى الدقة. الصحافيون كانوا بين أول المنضوين تحت راية نقابة فرحات حشاد، وفي الصفوف الأمامية من النضال النقابي في تونس (...).
لا تتعلق الإشكالية المطروحة، منذ الثمانينيات، بوجود خطوط حمراء تقف بين الصحافيين والعمل النقابي، بل بتأسيس نقابة عامة للصحافيين في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل، وإعادة هيكلة نقابة الإعلام والثقافة (...). وقد اقتنع المجلس الوطني للاتحاد بمطلب الصحافيين، وأصدر توصية ببعث هذا الهيكل منذ 1992. لكن عراقيل حالت دون تطبيق التوصية (...). ودفع الاعتراض الشديد على تأسيس هذه النقابة، في دوائر السلطة ومديري الصحف، إلى صرف نظر القيادة النقابية آنذاك عن الموضوع. أما الصحافيون فتشبثوا بالمطلب الذي زاده إلحاحاً استيلاء السلطة على جمعية الصحافيين التونسيين، وتنصيب قيادة موالية لها على رأسها. هكذا برزت فكرة تأسيس نقابة مستقلّة، فقام 150 صحافياً بتأسيس «نقابة الصحافيين التونسيين» (المستقلّة)، وكلفوا هيئة إنجاز مؤتمرها. لكن السلطة حاصرت النقابة ورفضت السماح بعقد مؤتمرها في الموعد المحدد. ولم تكف عن مساعيها لمنع قيام نقابة للصحافيين خارجة عن سيطرتها، حتى بعدما أعلنت النقابة اندماجها في الاتحاد العام التونسي للشغل... وصدر البلاغ القاضي بتشكيل الهيئة الموقتة المكلفة إعداد مؤتمر نقابة الصحافيين صلب الاتحاد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، وحدد موعد أول للمؤتمر في حزيران (يونيو) الماضي، لكنه تأجل بطلب عدد من الزملاء. ثم حدد موعد في 28 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ولم يحدث ذلك في سياق الرهان على «الخطوات الانفتاحية التي يعتزم النظام التونسي القيام بها لمناسبة مرور عشرين عاماً على «تجربة التحوّل...».
لم يكن تأجيل المؤتمر مجدداً، لا إلغاؤه «لأسباب غامضة»، بل بسبب تدخل السلطة وترهيب الصحافيين، كما جاء في البيان التوضيحي للهيئة التأسيسية للنقابة. ولم يكن تأجيل مؤتمرنا مطلقاً السبب الذي «دفع 300 صحافي تونسي إلى عقد جمعية عامة في تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، أعلنوا خلالها تأسيس «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين»...». المسألة ليست ردّ فعل آنياً، بل تدخل ضمن «طبخة حكومية» أُعدَّ لها طويلاً، والأمر لا يتعلق بنقابة مستقلة بل موالية مئة في المئة للسلطة. ختاماً، إن نصّاً مصدره زياد الهاني، عضو الهيئة المديرة لجمعية الصحافيين التونسيين، لا يستحقّ التعليق، لو نُشر في تونس. أما وهو منشور خارجها، حيث لا يعرف الناس هذا الشخص وارتباطاته، فالتوضيح يصبح ضرورياً.




عثمان تزغارت

نقابتان أفضل من لا شيء

نشكر أولاً للزميل محمد معالي إفاضته التاريخية في نشأة العمل النقابي في تونس، فهو يتفّق مع ما كتبناه بخصوص عراقة التقاليد النقابية في بلد فرحات حشاد. لم نقصد التأريخ لنشأة العمل النقابي في تونس (كيف يمكن ذلك في مقال من 400 كلمة!). كلّ ما قلناه إن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تنتمي إليه نقابة الصحافيين، لعب دوراً ريادياً في الانتصار للحريات الديموقراطية في البلاد. لكن جهوده النقابية في المجال الصحافي لم ترق إلى مستوى ذلك الإرث النقابي التاريخي، بسبب ما اصطدمت به من محظورات.
ثانياً، من وجهة النظر المبدئية نثمّن المكسب المتمثّل في تأسيس نقابة مستقلة للصحافيين في تونس. ونرى أن السماح بذلك دليل انفتاح من السلطات. ولا نوافق الزميل معالي في استنتاجته المتسرّعة بأن ذلك معناه تبعية النقابة المستقلّة للحكومة.
ثالثاً، إذا كان الزميل معالي يعترض على استقلالية نقابة الصحافيين عن الاتحاد العام التونسي للشغل، فما عليه إلا البقاء في النقابة القديمة، برفقة من يوافقونه هذا الرأي، عملاً بمبدأ التعدد النقابي. في النهاية، وجود نقابتين يبقى أفضل من عدم وجود أي نقابة.




زياد الهاني

الاستقلاليّة أولاً

جاء العرض التاريخي الذي قدمه الزميل معالي مجتزأً ومتجنياً، إذ اختزل التاريخ العريق لجمعية الصحافيين التونسيين التي احتفلت هذه السنة بالذكرى الـ 45 لانبعاثها في مرحلة خاصة جداً، عرفت فيها انكساراً قبل أن تستعيد عافيتها بفضل التفاف الصحافيين التونسيين حولها باعتبارها المدافع عنهم والمعبّر عن طموحاتهم. أما بالنسبة إلى الإشكالية الحقيقية المطروحة اليوم بين الصحافيين التونسيين، فتتمثل في الاختيار بين مشروعين: تأسيس نقابة للصحافيين داخل الاتحاد العمالي، أو تأسيس نقابة مستقلّة هيكلياً. الزميل معالي، ومن معه، راهنوا على الخيار الأول، فيما رأت أغلبية الصحافيين التونسيين، وأنا بينهم، أن التنظيم النقابي للصحافيين لا يكون إلا مستقلاً، من ناحية الهيكليّة ويحتكم لقرار الصحافيين وحدهم. وهذه إحدى الخاصيات التي تنفرد بها مهنة الصحافة في كل دول العالم.
أخيراً، الصحافيون التونسيون حسموا أمرهم خلال اجتماع عقدوه في 26 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وأجمعوا على تأسيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وإذا كان الزميل معالي، ومن معه، يعتقدون بأنهم يمثلون الصحافيين التونسيين، فما عليهم إلا الاستمرار في مشروعهم، فليس هناك ما يمنع ذلك... وحقائق الميدان وحدها ستحكم لهم أو عليهم.