strong> محمد عبد الرحمن
استقبل الجمهور المصري مسرحية «كم تمنّت نانسي لو أنّ ما حدث ليس سوى كذبة نيسان» بحفاوة كبيرة بعدما عُرضت الأسبوع الماضي على خشبة مسرح «روابط» في القاهرة ضمن البرنامج المصري لمهرجان Meeting Points (نقاط لقاء). مسرحية ربيع مروّة الجديدة التي انطلقت من طوكيو الربيع الماضي، واستقبلتها باريس ضمن «مهرجان الخريف» ثم بيروت بعد مشكلات مع الرقابة اللبنانية، استُقبلت بمزيج من الحفاوة والفضول في القاهرة. وتفاعل معها الجمهور المصري مع أنّها أدخلته زواريب الحرب الأهلية بمحطاتها المتشعبة والمعقّدة: حرب الفنادق، الاجتياح الأول، مجزرة إهدن، كامب دايفيد، توحيد البندقيّة المسيحيّة، اجتياح ٨٢ وحصار بيروت، اغتيال بشير الجميّل ومجازر صبرا وشاتيلا، خروج المقاومة الفلسطينيّة، اتفاق ١٧ أيّار، حرب الجبل، انتفاضة ٦ شباط ٨٤، خروج عون إلى باريس، اتفاق الطائف، تحرير الجنوب... وصولاً إلى اغتيال رفيق الحريري وحرب تمّوز الأخيرة.
بالطبع كان بين الجمهور عدد لا بأس به من المهتمين بالشأن اللبناني الذين يعرفون جيداً الفروق بين الطوائف والزعماء، لكنّ الغالبية كانت تشاهد للمرة الأولى عملاً مسرحياً يتناول الأوجاع التي مر بها المواطن اللبناني الذي ما زال متمزقاً بين الانتماء إلى الطائفة والحلم بلبنان موحّد تحت علم واحد يطغى على شعارات كل الطوائف والعشائر.
صحيح أنّ الحرب الأهلية اللبنانية زارت الجمهور المصري قبلاً في دورات مهرجانات السينما المتعاقبة، لكن غالبية هذه الأعمال تناولت تبعات الحرب على أسرة معيّنة أو على تزايد هجرة الشباب اللبناني. من هنا تكمن أهمية مسرحية مروة بالنسبة إلى الجمهور المصري، إذ قَدَمت الصورة من زاوية أخرى من خلال سرد متّصل استمر ساعة، أبطاله أربعة شهداء (حاتم إمام، ربيع مروة، زياد عنتر ولينا صانع) لا يتحركون من أماكنهم فيما تتغير صورهم كشهداء على شاشة وراءهم وترصد كيف استشهد كلٌ منهم بعضهم على يد بعض رغم أنّ الكل يفترضون بالطبع أنّهم يحاربون من أجل الوطن.
كان استقبال الجمهور المصري لـ«كم تمنت نانسي لو أنّ ما حدث ليس سوى كذبة نيسان» حميمياً، إذ سرعان ما اندمج مع العرض وتفاعل مع الممثلين، على رغم أنّ صعوبة الشكل المسرحي الذي خرج عن القواعد المسرحية التقليدية المتعارف عليها. وقد أدى تجاوب الجمهور مع العرض إلى تنظيم ندوة لم تكن مدرجة في البرنامج تحدث فيها ربيع مروة ولينا صانع. وقد رفض مروة الكلام عن ضرورة تعديل النص بما يناسب طبيعة الجمهور وفهمه لتعقيدات المجتمع اللبناني، مشيراً إلى أنّ الجمهور في مصر أو في أي بلد غير لبنان قد لا يستوعب الحقائق التاريخية الغزيرية التي يتضمنها العرض، لكنّه في النهاية تعرّف إلى تأثير تلك الحرب على الإنسان اللبناني. وهكذا «لن يصدر المشاهد الغريب أحكاماً في ما يتعلق بالشأن اللبناني أو ينحاز بمواقف، فيما لا يعلم شيئاً عن الموضوع بل اكتفى بما تقوله نشرات الأخبار».
أمّا عن الشكل المسرحي الذي استخدمه مروة من خلال جلوس الممثلين الأربعة طوال الوقت مع تغيير صورهم كشهداء فقط، قالت لينا صانع إنّ الهدف هو عودة الأهمية إلى الكلمة لا السعي إلى إبهار الجمهور بالحركة والاستعراض واستخدام كل إمكانات الجسد، مؤكّدةً أن الشكل المسرحي يفرض نفسه على النص وأن جلوسهم طوال الوقت لا يعني أن العرض «سهل».