strong>مهى زراقط
على مدى سبعة أيام متتالية، كانت بيروت على موعد مع ثلاثة مؤتمرات تتناول الإعلام ووسائل الاتصال والتعبير. المؤتمر الأوّل نظّمته جريدتنا «الأخبار» بالتعاون مع «لوموند ديبلوماتيك» و«انفورماسيون» الدانماركية تحت عنوان: «الإعلام في ظلّ الصراعات: الموضوعية على المحك». والثاني من تنظيم «المعهد الفرنسي للشرق الأدنى» بالتعاون مع «المعهد الألماني للأبحاث الشرقية» ومؤسسة «فريدريش ايبرت» تحت عنوان «صراعات الشرق الأوسط في الإعلام: الرقابة وأشكال العرض». والثالث من تنظيم «معهد غوته» و«أمم للتوثيق والأبحاث» بالتعاون مع مؤسسة «أنّا ليندت» تحت عنوان: «الفن في ميزان الحرية» الذي تطرّق في جلساته إلى العمل الإعلامي أيضاً. وبين هذه المؤتمرات، دعت «الجمعية اللبنانية لديموقراطية الانتخابات» إلى إطلاق ميثاق شرف إعلامي يلتزم فيه الصحافيون معايير أخلاقية للعمل في لبنان.
يمكن الحديث طويلاً عما شهدته جلسات العمل في كلّ من هذه اللقاءات، وعن تفاوتها في المستوى أو طريقة المعالجة. إلا أنّ الملاحظة العامة تتعلّق بسبب كلّ هذا الاهتمام بموضوع الإعلام والاتصال، والإشكاليات التي يثيرها العمل الإعلامي ووسائله على اختلافها.
أوّل ما تجدر الإشارة إليه هو أن مقاربة هذا الموضوع لا يمكنها أن تنطلق البتة من تلك التي اعتدناها لمؤتمرات مماثلة تشهد فورة في لبنان في فترات معينة، بناء على رغبة المموّلين، مثل الجندر، أو الشفافية والفساد وحتى حقوق الإنسان... ذلك أن الأمر مختلف تماماً بالنسبة للمواضيع المتعلقة بالإعلام والاتصال. ويمكن القول إن عقد مؤتمرات مماثلة تأخر كثيراً في لبنان، نسبة لما شهده هذا القطاع من فورة في العقدين الأخيرين في العالم. لم يشهد لبنان في السنوات الماضية إلا عدداً محدوداً من المؤتمرات أو الندوات التي سدّت ثغرة صغيرة جداً. في الوقت نفسه كان العالم الغربي يشهد نقاشات فكرية عن «مجتمع المعلومات» و«انفجار وسائل الاتصال» وصولاً إلى «استبداد وسائل الاتصال»... وكانت المؤسسات التعليمية تطوّب «الإعلام والاتصال» واحداً من العلوم المستقلة التي تتميز بتدخّلها في غيرها من العلوم (interdiscipline).
لا يعني هذا أن لبنان كان بعيداً عن تلك الفورة، بل قد يكون الأول في الدول العربية الذي تأثر بها وتلقّفها. تشهد على ذلك عشرات المحطات التلفزيونية التي افتتحت في السنوات الأولى بعد اتفاق الطائف (1991)، وقبل إقرار قانون للإعلام المرئي والمسموع (1994)، طمعاً في الحصول على حصّة من قطاع يفترض أنه سيدرّ أرباحاً كثيرة على المستثمرين فيه. ويمكن الاستفاضة هنا في الحديث عن «الخيبة» التي تلقّاها أصحاب المحطات، وعن الخروق الكثيرة لقانون كان يعدّ الأفضل في المنطقة، وحوّلته ممارسة «الترويكا» الرئاسية إلى الأسوأ، علماً أن السؤال الأبرز في هذا الإطار يتعلّق بتنظيم الإعلام في حدّ ذاته الذي يعدّ أبرز الإشكاليات التي تربط علاقة السياسي بالإعلام.
الأهم في هذا الإطار أن تسابق أصحاب رؤوس الأموال على إنشاء المحطات أولاً، وطغيان السياسة على الممارسة الإعلامية ثانياً، وصولاً إلى حالة التفلّت التي نعيشها اليوم، كلّ هذا بقي بعيداً عن الدراسات العلمية من جهة، وعن أي مقاربة نقدية، داخل الجسم الإعلامي، من جهة ثانية. يضاف إلى كلّ ما سبق الدور الذي باتت تحتلّه الصحافة الإلكترونية و«المدوّنات» في هذا الإطار، واقتراح الأخيرة حلًّا لما يعدّ ممارسات خاطئة...
من هنا تبرز أهمية المؤتمرات الأخيرة في إتاحتها الفرصة لفتح نقاش حقيقي بين أهل الإعلام يتعلّق بمهنتهم التي «ارتقت» في السنوات الأخيرة من موقعها كسلطة رابعة، إلى صاحبة السلطة المطلقة... لكنها فرصة لم يتلقّفها العاملون في الصحافة كما يجب، إذ غاب معظم أهل الإعلام ممن كان يفترض حضورهم، عن جلساتها الغنية والمفيدة غالباً.