يتزامن معرض أسعد عرابي الدمشقي مع صدور كتاب من تأليفه بعنوان «شهادة اللوحة في نصف قرن» (غاليري أيام). يتناول الناقد والفنان السوري الإشكاليات الجمالية والتقنية والفكرية التي صنعت خصائص لوحته، وارتباط هذه اللوحة بالمدينة الأم. فهو ما انفك يستعيد وشائجها الروحية بأشكال متعددة بوصفها «جنة المنسيات». كما يرصد الكتاب مسيرة هذا التشكيلي خلال أربعة عقود من الترحال وتأثير المحترف الباريسي على مشاغله الجمالية، مقتفياً حكمة ابن بطوطة الذي قال مرة «أسعى جهدي ما استطعت ألّا أسلك طريقاً كنت قد طرقته سابقاً». ذلك أنّ تجربة عرابي حجزت موقعاً استثنائياً في المحترف العربي، معزَّزةً بعقيدة جمالية لا تركن إلى منجز دائم. هكذا، تأتي هذه السيرة التشكيلية بمثابة وصية نقدية للأجيال ومحاكمة شخصية للوحة في احتداماتها ومقترحاتها. إذ يتوقف عند أسئلة جديّة تواجه التشكيلي العربي وحيرته السردية بين هويته المحلية وتأثيرات الحداثة الوافدة، مؤكداً على أهمية اللحظة في التقاط نبض اللون واحتدام الخط. فهو يقول«تملك اللوحة حبل سرة اتصال مع صيرورة العالم الداخلي للفنان، وبذلك لا تقبل تحولاتها الوجدانية والوجودية والوجدية أي تماثل، لتعكس راهنية اللحظة المعيوشة من الداخل ومن الواقع».ويوجه أسعد عرابي تحيةً إلى معلميه في المحترف السوري: ناظم الجعفري وفاتح المدرس باعتبارهما العتبة الأولى لخياراته التشكيلية، قبل أن يؤكد بصمته الشخصية في لوحة تنتسب إلى ذاكرة محلية خصبة لجهة الزهد في العناصر والاستفادة من الموروث الإسلامي، وإحالاته الجمالية، ومعاكسة التيار من طريق البحث المستمر عن حلول طازجة ومبتكرة. إذ «لا توجد سيرة للفنان خارج إطار لوحته»، ذلك أن «اللوحة التي لا تعانق حساسيتها الضميرية بعضاً من الاعتراض على قيامة الكوكب لا تخلو من الاستقالة من شهادة العصر».