حيفا ــ فراس خطيب
كوميديا عربية ـــ عبرية يخرجها إسرائيلي، وتروّج
لها «هآرتس» و«معاريف»، وتعرضها القناة الثانية في أوقات الذروة... هذه هي الوصفة السحريّة التي ابتكرها الاحتلال لتجاوز المقاطعة العربيّة لبرامجه. أما قصة المسلسل فحكاية أخرى!

قبل أشهر، قررت الحكومة الإسرائيلية إعادة الحياة إلى «القناة 33» العبرية الناطقة بالعربية. هكذا، اقترح بعض المعنيّين عرض أفلام هوليوودية تحتوي على لقطات جنسية، «لا تعرّض للحذف كما تفعل قنوات العالم العربي»! فيما راح آخرون يطالبون بإنتاج برامج جديدة، تعيد المشاهد العربي إلى القنوات الإسرائيلية التي تبثّ برامج عربية (مثل القناة الثانية والقناة العاشرة)، وذلك بعدما هجرها منذ زمن، بسبب ضعف الإنتاج وفقر المضمون.
وبقي الوضع في إطار «الأمنيات» إلى أن وجدت القناة الإسرائيلية الثانية أخيراً «الحلّ» من خلال تقديم مسلسل عربي ـــــ عبري كوميدي يعرض في أوقات الذروة. ولهذا، بدأت وسائل الإعلام العبرية الترويج لمسلسل «شُغل عرب» (العربي أولاً ثم العبري، على حدّ قول شركة «كيشيت» المنتجة للعمل)، وهو من تأليف كاتب وصحافي عربي (يكتب بالعبرية فقط). إنه سيد قشوع الذي فاز بـ«جائزة رئيس الحكومة الإسرائيلية للكتّاب الشباب العبريين» عام 2005، حين شغل أرييل شارون المنصب!
الصحف العبرية ترى أن المسلسل «حدث إعلامي تاريخي»، و«تجربة»، يحاول القائمون عليها «تفكيك الصراع العربي الإسرائيلي عبر الكوميديا». لذا، تشيع مناخ «لهفة» حول الحلقة الأولى التي ستعرضها القناة الإسرائيلية الثانية مساء السبت 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، عند العاشرة مساءً.
هكذا خصّصت «هآرتس» غلاف ملحقها الثقافي (غاليريا) لـ «الحدث»، فيما تخطط «معاريف» لتقديم «تغطية» مشابهة. أما القناة الإسرائيلية الثانية، فلا تنفكّ تعرض مقتطفات ترويجية تؤكد فيها «لهفة» المشاهد لمتابعة الكوميديا الجديدة. ويعزو معنيون هذه «اللهفة» إلى كون المسلسل عربياً «ويبثّ في أوقات الذروة».
عربٌ في الـ«برايم تايم» إذاً! قد يُعدّ هذا حدثاً تاريخياًً في نظر الدولة العبرية، لكن عن أي «عرب» يتحدثون؟ حتى الآن ليس واضحاً، وخصوصاً أن المقتطفات المتواضعة المعروضة على الموقع الإلكتروني للمحطة، لا تخفّف من ضبابية المشهد، مع أنّها توحي للوهلة الأولى بأنّ العمل «لا يبشر بالخير».
قد تتضح الصورة أكثر عندما نعلم أنّ أحداث المسلسل تدور في القدس المحتلة، وتتناول قصة أمجد، الصحافي الذي يبلغ 35 عاماً والمتزوج عاملة اجتماعية تُدعى بشرى. وبحسب ما ورد في موقع «كيشيت»، شركة الإنتاج الإسرائيلية التي تقدم برامج أخرى تعرضها المحطة، فإنَّ أمجد «صحافيّ عربي يعمل في صحيفة إسرائيلية. يحاول جاهداً أن يكون جزءاً من الطبقة البورجوازية المقدسية، فيمرّ بعملية أسرلة مشوّهة المعالم، إذ تدخل حقيقة كونه عربياً، مع رغبته في أن يكون إسرائيلياً في تصادم مستمر».
ويضيف الموقع الإلكتروني «نحن هنا أمام مسلسل «برايم تايم»، أبطاله عرب إسرائيليون (رغم أنّ العرب يرفضون هذه التسمية لكونهم عرباً فلسطينيين)، يتحدث المسلسل أولاً بالعربية، ومن بعدها بالعبرية». ولعلّ كاتب السيناريو سيد قشوع أبرز أبطال هذا «الحدث»، هو أصلاً يروي قصته في العمل، كما ورد في الإعلام الإسرائيلي. وكان قد كتب روايتين بالعبرية «عرب يرقصون» و«كان صباح» (لا يكتب بالعربية أبداً). فيما يُشغل اليوم بتولي زاوية أسبوعية ساخرة في ملحق صحيفة «هآرتس» (بالعبرية أيضاً). وقد تعرّض لهجوم شرس بسبب سخريته الزائدة في مقالاته من الشخصية العربية.
وكان الكاتب الراحل محمد حمزة غنايم (أحد أبرز المترجمين عن اللغة العبرية وإليها)، قد وجّه نقداً قاسياً لرواية «عرب يرقصون» حين صدرت، قائلاً: «عرب سيد قشوع يرقصون فرادى وجماعات، على ألحان لم تصنع خصيصاً لمثل هذا النوع من «الرقص الشرقي». لذلك، جاء رقصهم «مائلاً»، فوق سطح يهددّ كل الوقت بأن يجرفهم نحو المنحدر الخطير».
يذكر أخيراً أن «المسلسل المنتظر» من بطولة ممثلين عرب ويهود، هم: نورمان عيسى، وكلارا خوري، وسليم ضو، وسلوى نقارة، وميرا عوض ومئير أدلمان... ومن إخراج الإسرائيلي روني نينيو. وتجدر الإشارة إلى أن القنوات الإسرائيلية قدّمت سابقاً مسلسلات عربية، لكنها المرة التي تعرض فيها هذه الدراما في وقت الذورة، وتخصص لها حملة إعلانية مكثّفة. أمّا بالنسبة إلى المشاهد الفلسطيني، فهو لا ينتظر المسلسل حكماً بفارغ الصبر، وخصوصاً أن ثقة جمهور الداخل بوسائل الإعلام العبرية، معدومة. فهو يشعر بالانتماء إلى المسلسلات التي تقدمها القنوات العربية، من دمشق إلى القاهرة. والأهم من ذلك، أن هذا المواطن يبحث اليوم عن إعلام مختلف، ينقل همومه إلى الشاشة، ويتحدث عن واقعه.