محمد خير
على الذين يعتبرون «يوتيوب» فضاءً بديلاً لحرية التعبير في العالم العربي، أن يعيدوا النظر في حساباتهم. الموقع الشهير أوقف حساب وائل عبّاس، أشهر المدوّنين المصريين، مانعاً عرض الكليبات التي فضحت التعذيب في سجون القاهرة... أما الحجّة، فحماية الزوّار من مشاهد العنف

هل تسبِّب ضوابط الممارسة الإعلامية ـــــ بقصد أو من دون قصد ــــــ التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان؟ يبدو أنّ تلك هي الحقيقة التي اتّضحت بعد جدل طويل وبعد نقاش حسمه «يوتيوب». كيف؟ الموقع الشهير لنشر مقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت، قرر أن يُغلق حساب أشهر المدونين المصريين على الإطلاق: وائل عباس، رئيس تحرير جريدة «الوعي المصري» الإلكترونية، والفائز في تموز (يوليو) الماضي بجائزة «نايت» الدولية للصحافة.
أوقفت «يوتيوب» ــــــ التابعة لمحرّك البحث العالمي «غوغل» ــــــ حساب عباس، ومنعت عرض أكثر من 100 صورة و13 مقطع فيديو، تسببّ بعضها في محاكمة عدد من رجال الشرطة المصريين، بتهم متعلّقة بانتهاك حقوق الإنسان. واشتهرت إحدى أبرز تلك المحاكمات باسم «قضية عماد الكبير»، وهو سائق حافلة اتهم رجال شرطة بالاعتداء عليه جنسياً. وكانت لقطات الفيديو التي نشرها وائل عباس، أسهمت في إدانة الشرطيين اللذين اعتديا على عماد، والحكم عليهما قبل أسابيع بالسجن. وكان عباس شارك في مؤتمر «الأخبار» عن الموضوعية أوائل الشهر الجاري، وتحدث في ندوة «مواقع المدوّنات الإلكترونية: حافز لوسائل الإعلام أم نهاية الموضوعية»، عن تجربته في التدوين ودورها في كشف الانتهاكات، والضغوط العنيفة التي تواجهها من النظام المصري. (راجع «الأخبار»، عدد 7 ت2/نوفمبر).
وفي وقت رفض فيه «يوتيوب» التعليق على قراره إغلاق حساب عباس، أكد هذا الأخير لـ«رويترز» أول من أمس أنّ الموقع بعث له رسالة إلكترونية أبلغه فيها تعدد الشكاوى من المواد المعروضة.
يُتوقّع أن تعيد هذه القضية إلى الواجهة النقاش الدائر حول مواثيق الشرف الإعلامي، وأخلاقيات بث المواد عبر وسائل الميديا البصرية، من التلفزيون أو الشبكة الدولية للمعلومات، ذلك أنّ معظم التعليقات على إغلاق حساب الناشط المصري، استبعدت أن تكون الضغوط الرسمية المصرية قد أوقفت حسابه. ورفض معلّّقون ـــــ بينهم مدوّنون وناشطون حقوقيون ـــــ الربط بين الواقعة ووقائع أخرى تواطأت فيها شركات كبرى مثل «ياهوو» مع حكومات ديكتاتورية كالصين، على حساب ناشطين حقوقيين. إلا أن غالبية المعلّقين ربطوا بين إغلاق الحساب وقواعد «يوتيوب» نفسها التي تمنع بثّ مشاهد تحتوي على عنف صريح، وانتهاكات واقعية مثل التي أوردها عباس عبر الموقع الذي يشارك «مايكروسوفت» و«ياهوو» و«فايس بوك» في زعامة شبكة الإنترنت... قواعد «يوتيوب» الصارمة ليست معنية بالدور الذي أتاحه الموقع لنضال الحقوقيين، ولا يجوز ربطها بالهجمة التي تواجهها الصحافة المصرية، وأحكام الحبس التي صدرت ضدّ 13 صحافياً في الأشهر القليلة الماضية. الحجة التي أوردها «يوتيوب» ترجّح كفّة الشكاوى على حساب الحريات، وهو ترجيح يتفق تماماً ـــــ يا للعجب ـــــ مع «الأخلاق» الإعلامية. وهي أخلاق ترحّب بتسويق التسلية بأشكالها المتعددة، لكنها تتوقف لتفكر كثيراً قبل «تسويق» مواد حقوقية. وذلك يتساوى مع ما ينجم عن ديكتاتوريات الشرق أو جيوش حلفاء الغرب.
قبل عام واحد، امتنع الكثير من وسائل الإعلام الغربية عن بث صور ضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان، بحجة حماية المشاهدين من الصور الدموية. وقبلها، أثناء غزو العراق، احتجّت تلك الوسائل على بثّ «الجزيرة» والتلفزيون العراقي للقطات وحوارات مع مجندين أميركيين أسرى. وعزوا ذلك إلى التعارض مع اتفاقية جنيف، مع أنّ المحطات الغربية تنافست قبل ذلك بساعات، على نقل صور لطوابير أسرى عراقيين، اتّضح لاحقاً أنّهم مدنيون، ولم يكن بينهم الجنود الذين قاوموا في ميناء «أم القصر». إنه فنّ «الاعتداء على المنطق»، كما يقول الكتاب الذي أصدره أخيراً آل غور وعرضته «الأخبار» في عددها الصادر أول من أمس. وهو منطقٌ دفع ثمنه وائل عباس، ولقطات يصرخ فيها ضحايا معذبون... ومجهولون!