strong> محمد خير
لم يتوقف الصحافيون يوماً عن تطوير أساليب التفاعل مع القراء، وأشهرها الباب الذي يُعنى بحلّ مشاكل القراء. الباب الشهير، يفتقر اليوم إلى الشعبية نفسها التي كان يحظى بها «بريد الجمعة» في صحيفة «الأهرام»، وكان يحرره الراحل عبد الوهاب مطاوع. كما لن يحقق برنامجاً النجاح الذي سجّله البرنامج الإذاعي الأشهر: «ماذا تفعل لو كنت مكاني؟»، عندما كان يقدمه ضياء الدين بيبرس أو بابا ضياء. كان الجمهور يرى في مطاوع وبيبرس رجلين جمعا بين النجاح المهني والخبرة الكبيرة في الحياة، ما أهلهما بجدارة لمعالجة أوجاع الآخرين. أما مجدي صابر، مؤلف مسلسل «قلب امرأة»، فلا بدّ أنه لم يكن يتابع هذا الباب أو ذلك البرنامج، ولم يضطر أبداً للاستشارة العائلية. وإلا ما جعل رئيس التحرير في الجريدة حيث تعمل أمل (ريم البارودي)، يمنحها مسؤولية باب مشاكل القراء. المؤلف لم يجد غضاضة في أن تسدي فتاة عشرينية في مقتبل العمر النصح لرجل أرمل على المعاش، أو مطلقة أربعينية محرومة من الإنجاب، ولم لا؟ ما دامت أنها أثبتت قدراتها بعد أدائها المتميز في قسم ...التحقيقات!
عادة ما تتكون لدى رجل الشارع صورة مبهمة عن الصحافي وطبيعة عمله. صورة غير واضحة في مجملها، لكنها تفترض أن الصحافي هو جزء من طبقة «البكوات» التي تحكم المجتمع. وعلى رغم أن الدراما ـــــ السينمائية خصوصاً ـــــ قدمت الصحافي بأشكال متعددة، لكنه ظلّ في مخيلة الجمهور أقرب إلى رؤوف بيه علوان (كمال الشناوي) في «اللص والكلاب» منه إلى شمس (نور الشريف) في «ضربة شمس». وإذا كان للمواطن البعيد عن الوسط بعض العذر في عدم الإلمام بمفردات المهنة، فإن ذلك العذر ينتفي عند كتاب الدراما الذين ـــــ إضافة إلى ضرورة البحث في طبيعة شخصيات أعمالهم ـــــ يشتركون مع الصحافيين في الانتماء إلى مهنة الكتابة. إلا أن نموذج الصحافية في «قلب امرأة»، هو مجرد واحد من نماذج خيالية امتلأت بها مسلسلات رمضان، ويبقى أفضل من الصحافي في «يتربى في عزّو». فالشاب السياسي المتمرد، زعيم جماعة «طلاب من أجل التغيير»، يستجيب لنصيحة ضابط الأمن في الجامعة، بعدما يمنحه توصية إلى إحدى الصحف. وبغض النظر عن الصورة التي قدم بها المؤلف يوسف معاطي الطلاب السياسيين على أنهم أقرب إلى عصابة، تقضي النهار في الحقد الطبقي والليل في معاقرة الخمر، إلا أن الطامة الكبرى عندما يذهب الشاب إلى رئيس تحرير الجريدة، فيخبره الأخير بأنه سيعيّنه بالقطعة إلى أن يتخرّج. علماً بأن التعيين يعني أصلاً التوقف عن التعامل بالقطعة. ثم ينصح رئيس التحرير الشاب الفقير بضرورة امتلاك سيارة وشقة ستساعده الجريدة على شرائهما! ويطلب منه أن يتوجه إلى مكتبه (مكتب خاص لصحافي متدرب؟) بعدما يبلغه قرار تعيينه مندوب الصحيفة في وزارة الداخلية! كلّ هذا من أول يوم... وبعد أيام قليلة، يظهر في الجامعة بملابس فاخرة، ويقود سيارة أميركية حديثة. ويكتشف زملاؤه السبب في النعمة التي هبطت عليه، عندما يجدون له مقالاً يدافع عن الحكومة في الجريدة، في الصفحة الأولى مع صورة للشاب تحت التمرين! ومن نافلة القول أن ما سبق لا يمت إلى الواقع بصلة، وأن الحقيقة أن الصحافي ـــــ وخصوصاً في مصر التي ينتمي إليها المؤلف ـــــ يقضي نصف عمره لتحقيق نصف تلك الامتيازات. وقد يحال إلى المعاش قبل أن يكتب مقالاً في الصفحة الأولى. ورغم أن بعضهم برر امتيازات «صحافي عزّو» بشرائه من قبل الأمن، يقول المنطق إن الجهاز الذي يجنّد شخصاً، لا يمنحه كل شيء دفعة واحدة، فلا بدّ من أن يجعله في حاجة مستمرة إليه.
إلا أن هذه الصورة لم تتفوق في غرابتها على صورة الصحافية هند في مسلسل «هند علام» حيث تتعامل نادية الجندي مع رئيس تحريرها بعجرفة وتعالٍ لا يقبلهما أي رئيس تحرير، ولو كانت من صاحب الجريدة. إلا أن مركزها خولها أيضاً وضع سكرتيرة خاصة، وهو أمر مستغرب في الصحافة المصرية، ما لم تكن رئيساً للتحرير أو مجلس الإدارة، كما يعرف المؤلف يسري الجندي. تماماً كما يدرك وليد يوسف، مؤلف «الدالي»، صعوبة أن يمتلك صحافي شاب شريف (عمرو يوسف) كلّ هذه القوة، في مواجهة رجل في نفوذ سعد الدالي، وخصوصاً في بلد يختلط فيه المال بالسلطة.