تتواصل ردود الفعلعلى مقالة نجوان درويش النقديّة حول اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009 («الأخبار»،3 تشرين الأول/ أكتوبر). ننشر هنا، في سياق سعينا إلى توسيع آفاق النقاش، أبرز مقتطفات ردّ الناشط الفني جاك برزخيان، وتعقيب الزميل درويش
جاك برزخيان

لماذا اختزالها إلى عاصمة للثقافة العربيّة؟

لا أدري من منح نجوان درويش، حق إلغاء الآخرين وتجاهل اهتماماتهم الوطنية. يكتب أنّ «قرار إقحام المدينة في تظاهرة ضخمة من هذا النوع جاء مرتجلاً، ولم يستند إلى أي تقويم دقيق للتحدّيات التي يطرحها اختيار مدينة عربية محتلة، لها مكانة رمزية كبرى عند العرب، لتكون عاصمة للثقافة العربية». ولا بدّ لي هنا من أن أشير، بصفتي أحد أعضاء اللجنة التحضيرية، عن خلافاتي الأساسية مع المشروع المطروح في شأن القدس... إيماناً مني بأن القدس عاصمة للثقافات والديانات، حازت صفتها عبر عراقتها وأهميتها التاريخية. ولا أتفق مع اختزالها إلى مجرد عاصمة للثقافة العربية. فهذا المشروع لن يضيف إلى القدس شيئاً، إن لم يستطع أن يُبرز خصوصية مدينة تجمع في نسيجها الثقافات والانتماءات الدينية والسياسية المختلفة والمتجاورة معاً.
حاول الكاتب بجرة قلم واحدة، أن يشطب أعضاء اللجنة التحضيرية جميعهم. فقد ذكر أنّ «أغلبية الأعضاء (47 عضواً) ليس بينهم كتّاب أو مثقفون أو فنانون أو أصحاب رؤية ثقافية. إذا كان على علم بالأعضاء، فلماذا لا يسرد أسماءهم، ويناقش أهليّتهم ومدى قدرتهم على القيام بهذه المهمة؟ كما أطلب من الأستاذ درويش أن يتريّث في أحكامه، وخصوصاً أنه ذكر ثلاثة أسماء فقط من أعضاء اللجنة، وهم ياسر عبد ربه وليانة بدر وجاك برزخيان الذي أشرف على تنظيم الاحتفالات الفنية لتوقيع «اتفاقية جنيف».
إن اللجنة المصغرة تضم أعضاءً من أشدّ المعارضين لاتفاقية جنيف، لذا أطلب من الكاتب التريّث وتفادي التعميم، استناداً إلى التوجهات السياسية لشخصيات قليلة في اللجنة، قد لا تتفق مع فكره السياسي (...). إذا كان ثمة خلاف فكري في قراءتنا للواقع الفلسطيني من دون التفريط بجوهر قضيتنا، فليس من سبيل للتشكيك بصدقيتنا...



نجوان درويش

هل نسي أنها مدينة محتلّة؟

ذكرنا ثلاثة أسماء فقط من أسماء أعضاء «لجنة القدس 2009»، لأنّ مقالة صحافية لا يمكنها عرض كل جوانب القضية وتفاصيلها. ومن الطبيعي أن نكتفي بأمثلة من شأنها أن تفتح نقاشاً أوسع في شأن الموضوع... أما لماذا أتينا على ذكر اسمه الكريم، فلكونه من أنشط المهتمين بالفنون المعاصرة، ونشاطه يهمّنا على هذا الأساس. علماً بأن القبول بمهمّة تنظيم احتفالات «اتفاقية جنيف» لا يمكنه أن يكون مجرّد خيار مهني. بعض الذين طرحوا علامات استفهام على تركيبة «لجنة القدس 2009»، رأوا في تعيين الأستاذ برزخيان رسالةً سياسيةً واضحة، أقل ما يقال فيها إنّها تتناقض مع أهداف المناسبة. والدليل على ذلك، ما يرد على لسانه شخصياً. فكيف يكون عضواً في لجنة من المفروض أنّها تدافع عن عروبة القدس في مواجهة «الأسرلة»، من لديه اعتراض مبدئي على «اختزال» القدس إلى «مجرد عاصمة للثقافة العربية»؟
نحن لا نفهم كيف يمكن أن يخدم الاحتفالية من لا يؤمن بحق القدس في أن تكون عاصمة للثقافة العربية أسوة بالمدن العربية الأخرى. عروبة القدس في نظره تقلل من كونها مركزاً للديانات وتمس بعالمية المدينة! ما الضير في أن تكون القدس مدينةً عربيةً، متعددة الروافد والمكونات الدينية والعرقية والثقافية... وعاصمة للثقافة العربية؟
إن جاك برزخيان ينسى، حين يتحدث عن القدس، أنّها مدينة محتلة. وأي نشاط ثقافي أو فني في مدينة محتلة، لا بد من أن يأخذ طابع «المقاومة»! ويحمل رفضاً واضحاً لهيمنة الاحتلال وطمس الهويّة الوطنيّة. فهل نبشّر بعلاقات ثقافية وفنية تساوي الضحية بالجلاد، على طريقة «مؤسسة المعمل» التي أشرف عليها برزخيان في القدس؟ هل الحصول على شهادة حُسن سلوك من أخينا جاك، يفترض بنا إقامة علاقات شراكة مع مؤسسات إسرائيلية تحت شعار الانفتاح على الآخر وتجاوز «المفاهيم الوطنية المتخلفة»... في حين تفشل «مؤسسات» برزخيان في الانفتاح على المجتمع المقدسي؟
هل من الضروري أن نستعيد إنجازات برزخيان الأخرى، ومنها الإشراف على الجانب الفني لاحتفالية «بيت لحم 2000» التي منيت بفشل ذريع؟ أم نتطرّق إلى نوع «التمثيل» الذي يقدمه للفن الفلسطيني في الخارج؟ أم نخوض في الوضع الإداري والمالي لمؤسسات برزخيان التي تفتقر إلى الشفافية الإدارية والمالية، ولا تعلن بشكل كافٍ عن مشاريعها وتمويلها وأوجه صرف ميزانياتها؟ قبل أقل من سنة، أعلنت «مؤسسة المعمل» عن مسابقة للهواة في فن التصوير الفوتوغرافي. وكانت الجائزة الأولى (ألف دولار) من نصيب ابن السيد برزخيان نفسه! هل يعطي ذلك فكرة كافية عن سبب توقفنا عند اسم جاك برزخيان دون سواه، في قضية «لجنة القدس 2009» ؟