محمد عبد الرحمن
إنه سائق التاكسي المزواج في «سلطان الغرام»، والسياسي الفاسد في «عمارة يعقوبيان»، والزوج المحبط في «أحلام حقيقية». خالد صالح يعيش قلقاً متواصلاً، في انتظار العرض الجماهيري الأول لفيلمه المرتقب مع يوسف شاهين «هي فوضى». ويقوّم هنا بطولته التلفزيونية الأولى على MBC في رمضان...

في عام 2002، أطلّ خالد صالح في مشهد واحد ضمن أحداث فيلم «محامي خلع» لهاني رمزي وداليا البحيري. يومها، قدّم شخصية قاض تستفزّه قضية الخلع. وحاز لقب نجم المشهد الواحد من مجلة سينمائية متخصصة، رأت أنه تألّق في الدقائق الخمس التي ظهر خلالها على الشاشة. وفي الفيلم نفسه، شاركت حنان ترك في المشهد الأخير كضيفة شرف، بشكل يناسب نجوميتها...
بعد خمس سنوات، ها هي الصالات المصرية تستقبل فيلم «أحلام حقيقية» الذي يتقاسم بطولته مع ترك والبحيري. وبين الفيلمين، مشوار طويل قطعه خالد صالح بنجاح، ما دفع يوسف شاهين إلى اختياره بطلاً لأحدث أفلامه «هي فوضى».
صالح الذي تخرّج من كلية الحقوق، لم يحتمل قواعد السوق عندما بدأ ممثلاً مسرحياً مع زميله خالد الصاوي قبل عشرين عاماً. غادر الملعب سريعاً، واتّجه صوب التجارة. وكان يُسكت رغبته الفنية بعروض مسرحية ضمن نشاط الفرق المستقلة، كل مدة. لكنه لم يستطع المقاومة طويلاً، فعاد تدريجاً عبر مشاهد بسيطة على شاشة السينما. وقد تزامنت عودته مع غزو جيل جديد من المؤلفين والمخرجين الساحة، هدّموا مبادئ كرّستها السينما المصرية طويلاً: أوّلها «النجم الوسيم»، وثانيها أن الكوميديا كنز لا يفنى.
وعندما أراد أحمد السقا شريكاً في «تيتو» و«حرب أطاليا» لم يجد أفضل من خالد صالح، كذلك في «ملاكي اسكندرية» مع أحمد عز. وقبل هؤلاء، سجّل إطلالة مميزة في «أحلى الأوقات» لهالة خليل، إضافة إلى أفلام أخرى أوصلته العام الماضي إلى دور كمال الفولي في «عمارة يعقوبيان». وقد تزامن ذلك مع بطولات تلفزيونية أمام محمود عبد العزيز في «محمود المصري» ويسرا في «أحلام عادية»... وتوالت الأدوار حتى جاءته فرصة مزدوجة على طبق من فضة: اختاره يوسف شاهين بطلاً لفيلم «هي فوضى»، وأنتجت له «إم بي سي» البطولة التلفزيونية الأولى «سلطان الغرام». وعلى رغم الأصداء الطيبة التي حققها المسلسل، ووصول فيلم شاهين إلى «مهرجان البندقية»، يرفض خالد تصنيف نفسه نجم شباك تذاكر.
في حديثه إلى «الأخبار»، يتحدث الممثل المصري عن المحطات البارزة في مشواره بشيء من الاعتزاز. يفاخر بكونه ممثلاً مجتهداً، ويُسعد بلقب «نجم الأدوار الصعبة»... لكنه يرى هذا التخصص، «يثير الشفقة، إذ بات كل دور جديد بمثابة امتحان حقيقي بالنسبة إليّ، وذلك لسبب بسيط أن الجمهور اعتاد مستوى أداء معين، ولن يقبل منّي التراجع، ولو حتى خطوة واحدة». ويضيف موضحاً: «قد يغفر الجمهور للنجم، أما المُشاهد الذي يبحث عن ممثل جيد، فيحكم على أدائه بشيء من القسوة... وأنا أتطلّع إلى ترسيخ اسمي في ذاكرة الناس، مثل زكي رستم ومحمود المليجي وأحمد زكي ويحيى الفخراني».
وبينما دخل خالد صالح المنافسة الرمضانية رسمياً من خلال «سلطان الغرام»، يؤكد أنه قدّم عملاً بسيطاً يحمل أبعاداً اجتماعية ونفسية، تهمّ الجمهور. ويشيد بإخراج شيرين عادل وتكاتف فريق العمل معه، وقدرة المؤلف محمد أشرف على إيجاد شخصية «سلطان الغندور». ذلك الرجل الذي يعيش تقلبات عدة في حياته من الفقر إلى الثراء. كل هذا جذب صالح إلى دور سلطان الذي عرف بدوره كيف يجذب قلوب ثلاث نساء، على رغم افتقاره إلى الثقافة والوسامة.
لكنه في المقابل، صاحب تجربة عميقة، فرض حضوره على كل من حوله. وهذه الشخصية تطلبت أداءً خاصاً، شغلت صالح عن أي شيء آخر: من توقيت عرضه على «إم بي سي» إلى نسبة الإقبال عليه، علماً بأنه يؤكد أن المسلسل سيأخذ حقه من المتابعة، عندما يعاد عرضه على محطات أخرى، بعيداً من زحام رمضان الدرامي.
أما في «أحلام حقيقية» الذي بدأ تصويره في شباط (فبراير) 2006، فيرى صالح أن الفيلم يجسّد «سر السينما». كيف؟ «في فترات التصوير التي كانت متباعدة إلى حدّ كبير، احتاجت الشخصيات إلى تركيز شديد، وخصوصاً في ما يتعلق باسترجاع «مشاعر» الشخصية كلما وقف الممثل أمام الكاميرا. ولو لمس الجمهور أي فرق بين توقيت مشهد وآخر ــــــ وصل إلى شهرين أحياناً ــــــ فستفقد السينما حينها سرّها. ولا يراهن صالح على «أحلام حقيقية» لأنه فيلم رعب فحسب، بل لكونه يحمل اختلافاً كبيراً في مضمونه عن السينما السائدة. ويؤدي فيه شخصية طبيب تجميل، يشعر أن حياته الشخصية تفتقر إلى الجمال، ويعاني عدم رضى زوجته عن حياتها معه. لكن الأمور تسير نحو الأسوأ، عندما تتحول أحلام الزوجة المرعبة إلى واقع.
وبين المسلسل والفيلم، ينتظر صالح الخامس من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، موعد العرض الجماهيري الأول لأهم أعماله «هي فوضى». هنا، هو رجل الشرطة الذي يسيء استغلال نفوذه، ويعادي كلّ من يرفض الخضوع له. شخصية صعبة حملت توقيعي يوسف شاهين وخالد يوسف اللذين ذهبا بخالد صالح إلى البندقية، حتى ينافس كبار النجوم على جائزة أفضل ممثل.
واختيار شاهين لخالد صالح كان بمثابة تتويج سريع لمشوار قصير في السينما. يقول معلّقاً: «مجرد ترشيحي من قبل شاهين في أحد أفلامه حدث مهم في حياتي، فكيف الحال مع دور البطولة؟ الشخصية مركبة، وسعدتُ لأن جو لم يرَ غيري لهذا الدور». وعن التعامل مع خالد يوسف شريكاً في الإخراج، يقول: «الفيلم شاهيني حتى النخاع. الجميع، وأوّلهم يوسف، ينفذون فكر الرجل الذي كان صارماً في البلاتوه. وما قيل عن تراجع دوره بسبب تقدمه في العمر ليس صحيحاً. لم يحدث أي صدام أثناء التصوير، لأننا تدريجاً وصلنا إلى نقطة تفاهم. همّنا الأول كان الفكرة، والكشف للناس كيف يولّد التسلط القهر، وكيف تعيث الفوضى فساداً في مجتمعنا. إنه شريط مصري خالص، أتمنى أن يدخل ذاكرة السينما، كما حدث مع أعمال شاهين الأخرى».
ويختتم حديثه بالقول: «الاستعداد النفسي للشخصية وازى الإعداد البدني لها. رجل الشرطة الفاسد يجب أن يعكس جبروته في كل لحظة، ولا يمكن أن تفلت مني أي إيماءة لا تحمل شراً. حتى شاهين لم يكن ليسمح لي بذلك. في الوقت نفسه، تطلبت مشاهد التعذيب والقهر الجسدي تدريباً خاصاً، حتى تخرج واقعية من دون أن تضرّ بمن أعذبهم من زملائي». ويشارك في بطولة الفيلم منة شلبي وهالة فاخر.