وديع سعادة
يا صديقي سركون لقد وصلت أخيراً الى المدينة التي بحثت عنها طويلاً. وصلت أخيراً يا صديقي الى مدينة «أين». من الحبانية الى كركوك الى بغداد الى بيروت الى سان فرانسيسكو الى مدن كثيرة بحثاً عن مدينة لا تجدها، حتى أطلّت عليك أخيراً في مستشفى في برلين! مدينة الموت، هذه إذاً هي التي كنت تبحث عنها. هذه، ولا شيء آخر، التي نبحث عنها جميعاً. هذه فقط هي ما يبحث عنه الشعر.
لا تزال لديّ رسالتان منك أرسلتهما إلي من سان فرانسيسكو الى شبطين عام 1971. تقول في الأولى: «لم أنتظر الليل بل تقدمت نحوه وأنا أعرف عدوّي وبلا درع أو شهادة أو تردّد... ومن حين إلى حين، وجهي المعلّق في مرآة محاكمة. وأنا دائماً قاضي هذا العالم». وتقول في الثانية: « أكتب كرجل أنذروه بالساعة الأخيرة. كل ما أفعله لا يملك ذلك الرنين الحقيقي أو الحرارة الإلهية إلا عندما تخرج من أطراف أصابعي قصيدة تجعلني أستحق نهاري»... وقبل يومين، حين هاتفتك وأنت على فراش الموت، كان صوتك متهدجاً لكن بقيت فيه نبرة «قضاة العالم».
وما تركته يا سركون من قصائد لم يجعلك أنت وحدك تستحق نهارك، إنما يجعل كل قرائك يستحقون نهاراتهم.
اعذرني يا سركون، فليس عندي كلام أمام موتك.
الآن وصلني نبأ صمتك الأبدي، وما عدت أملك غير الصمت.

(*) شاعر لبناني