بشير صفير
عازف البيانو الشاب يؤكّد حضوره، عملاً بعد آخر، في ملعب الكبار. الموسيقى الكلاسيكية لم تبعده عن الجاز والارتجال. أسطوانته الثالثة Piano Concertos تحيّة لبروكوفييف وفرصة لاكتشاف المؤلف اللبناني عبد الله المصري

إنّها المرّة الأولى التي يلتقي فيها رامي خليفة الأوركسترا! أسطوانته الثالثة التي احتفل بصدورها أول من أمس في Virgin جاءت بعنوان «بيانو كونشرتوز» نظراً إلى المادة الموسيقية التي يحتويها. وهي تنتمي إلى الشكل الموسيقي المعروف في عالم الموسيقى الكلاسيكية الذي يجمع آلة البيانو مع الأوركسترا في حوارٍ وتحدٍّ يراد منهما إبراز براعة العازف المنفرد.
وقد سبق لعازف البيانو اللبناني الشاب أن أصدر أسطوانتين خصّصهما لأعمال البيانو المنفرد، من دون مرافقة آلات أخرى. الأولى صدرت عام 2002 وكانت عبارة عن تسجيل لحفلة حيّة في بيروت أقيمت في آب (أغسطس) 2001 وضمّت أعمالاً طاولت كل الحقبات الموسيقية الكلاسيكية: من الباروك مع باخ، والعصر الكلاسيكي مع موزار، والرومنطيقي مع برامز، وصولاً الى الانطباعية الفرنسية مع رافيل، وروسيا القرن العشرين مع بروكوفييف. هذا إضافة إلى ارتجالات خليفة على البيانو، لتكتمل بذلك تحت أنامله بانوراما الأعمال التي كُتبت للبيانو مدى ثلاثة عصور. الأسطوانة الثانية صدرت منذ سنتين بعنوان Scene from helek وأتت مادتها الموسيقية لتؤكد انفتاح خليفة على الارتجال، أو شبه الارتجال والتجريبية، في عملية تهدف الى ترجمة التفاعل الآني مع الآلة وتوسيع إمكانات البيانو عبر استنطاقه بطرق غير كلاسيكية.
رامي هو نجل الفنان مرسيل خليفة. ولد عام 1981 في لبنان ثم غادر لدراسة العزف على البيانو إلى فرنسا ثم الولايات المتحدة، حيث درس في «جوليارد سكول» أحد أهم معاهد الموسيقى في العالم. اهتمامه بالأنماط الموسيقية يشمل الجاز والارتجال، لكنّ إلمامه الأكثر تبلوراً هو الموسيقى الكلاسيكية بشكل عام. وقد قدّم رامي في هذا المجال حفلات في لبنان والعالم، وشاركه أحياناً موسيقيون آخرون من العالم في حفلات موسيقى الحجرة، وقدّم كونشرتوهات للبيانو والأوركسترا، أهمها لرافيل، والكونشرتو الرابع لرخمانينوف، وهما عملان يتطلّبان تقنيات عالية وصعبة لم يكن غريباً عنها خليفة في سن مبكرة.
في Piano Concertos، اختار رامي الكونشرتو الخامس (والأخير) للمؤلف الروسي/السوفياتي سيرغيه بروكوفييف، أحد أهم طليعيّي الموسيقى الروسية في النصف الأول من القرن العشرين. وهو المؤلف الذي وفّق بين أفكاره الموسيقية التقدمية ومتطلبات النظام السوفياتي الذي كان يميل إلى الإنتاج الفني المحافظ في ظل حكم ستالين. ويعتبر الكونشرتو الخامس من أهم الأعمال وأصعبها في فئته، ويمثّل تطور هذا الشكل الموسيقي بامتياز، أقلّه في هويته الروسية، أي بعد تشايكوفسكي. هكذا اتّخذ خليفة في تأدية هذا العمل إيقاعاً بطيئاً مقارنة مع أهم التسجيلات التي قام بها عازفون عالميون، لكن يصعب التقاط الفرق بينه وبين هذه التسجيلات (سفياتوسلاف ريختر أو فلاديمير أشكينازي مثلاً)، ما جعله يضفي لمسته الخاصة عليه من دون اللجوء إلى المبالغة لتبيان التمايز، وبرع في الحركات الحية كما في الحركة الأكثر هدوءاً، أي الرابعة من هذا الكونشرتو المؤلف من خمس حركات قصيرة.
أما العمل الثاني فهو الكونشرتو الأول للمؤلف اللبناني ــــ الروسي المعاصر عبد الله المصري (1961) الذي درس نظريات التأليف الموسيقي في موسكو، بعد دراسة العزف على آلة الغيتار في لبنان. إضافة الى هذا العمل، كتب المصري أعمالاً أخرى لأشكال مختلفة من المؤلفات الأوركسترالية، وموسيقى الحجرة والموسيقى الكورالية. وبرزت التقنية العالية التي يتمتع بها خليفة في أداء هذا العمل الذي لم يخرج عن الجو الروسي. فهو يجمع بين أنماط روسية مختلفة: من محافظة على غرار رخمانينوف، ومجدِّدة على غرار بروكوفييف وشوستاكوفيتش وغيرهما. ولم تغب النفحة الشرقية عن ذلك الكونشرتو عبر تلميحات منمّقة. رافقت خليفة في هذا التسجيل «أوركسترا غلوباليس السيمفونية»، وهي فرقة حديثة تأسّست عام 2000 وتضمّ عازفين روسيين بقيادة الروسي فيليكس كوروبوف.

www.ramikhalife.com