محمد عبد الرحمن
في عالم عربي يضج بالتناقضات، ليس غريباً أن يكون المشهد الفضائي منقسماً بين محطات الإغراء والقنوات الدينية. هكذا يجمع الوليد بن طلال بين «روتانا» وقناة «الرسالة» التي عزز حضورها أخيراً، في انتظار إطلاق قناة ملتزمة للأطفال، وأخرى خاصة بجمهور الإسلام في الغرب!

رمضان 2007 لن يبقى حكراً على نجوم الفن والتمثيل: المحطات الدينية دخلت السباق بقوة، رافعةً شعار «البقاء للأكثر تأثيراً»، على اعتبار أن المحطة الدينية التي لا تنجح في رمضان، ستبقى على الهامش بقية أشهر السنة... لذا، لم يكن غريباً أن تنطلق ثلاث محطات دفعة واحدة، قبل رمضان بشهر واحد، هي «الحكمة» و «البركة» و«الرحمة». فيما ارتدت المحطات الحاضرة بقوة («المجد»، «الناس»...) «لوك» جديداً.
والمنافسة بين هذه القنوات، تسمح باستعمل كل الأسلحة، فتراها تتّبع الأساليب نفسها التي تنتهجها محطات الدراما في جذب الجمهور والضيوف وحتى المذيعين، وخصوصاً أن رمضان يمثّل فرصة لتقويم أداء هذه المحطات التي بدأت تستحوذ على اهتمام قطاع كبير من الجمهور «البسيط»... هذا الجمهور الذي يبحث عن تعلّم أصول دينه أمام الشاشة، ولو من دون التدقيق بما تقوله. هذه القضية طُرحت بقوة في مؤتمر صحافي، عقده في القاهرة أخيراً الدكتور طارق السويدان، المدير العام لقناة «الرسالة». وهي القناة التي ظهرت قبل 18 شهراً، مدعومة بقوة من شركة «روتانا» المالكة لها. وقيل وقتئذ إنها جاءت لتنافس «إقرأ»، التابعة لشبكة «آي آر تي»... أما مناسبة المؤتمر، فهي الانطلاقة الجديدة في رمضان.
لكن ما هو سبب نمو المحطات الدينية كالفطر، وإطلاق أكثر من عشر قنوات، بعد ولادة «الرسالة»، تقدّم جميعها برامج دينية شعبية؟ يجيب السويدان عن سؤال «الأخبار»، مستعيناً ببعض الأرقام، ليؤكد أن عدد القنوات الدينية الحالية يبلغ 25، «وهو رقم ضئيل جداً إذا علمنا أن إجمالي عدد المحطات العربية هو 480. وإذا صدقت الدراسة التي تفيد أن عدد القنوات العربية سيصل إلى 7000 عام 2012، فنحن بالتأكيد بحاجة إلى المزيد». ويوضح أنّ سبب انتشار هذه المحطات، «يعود إلى بحث الجمهور عن موضة جديدة وشاشة مختلفة، ثم سرعان ما يدرك أنّ خطابها هش وسطحي ومزيف». أما «الرسالة» فتراهن، حسب السويدان، على تحقيق التوازن بين ما يريده الجمهور، وما يجب على المحطات الدينية تقديمه، من دون اللجوء إلى الخطاب المتطرف. ويؤكد أن القنوات الأخرى تعاني غياب الاستراتيجية، حتى إن بعضهم أطلق عليها «قنوات السجاد»، لأنك قد تتابع برنامجاً دينياً جدياً، فيما تقرأ على شريط الرسائل أسفل الشاشة، رسالة يعرض صاحبها بيع سجادة في منزله.
الدخول في كواليس المحطات الدينية «الشعبية»، يكشف الكثير من أساليب العمل داخل هذه القنوات، وتمويلها والبرامج التي تقدمها. وليس سراً أن معظم القنوات الدينية، تُموَّل من رجال أعمال، وجدوا فيها وسيلة تدرّ الكثير من الأموال. فمالك «الرسالة» مثلاً هو الوليد بن طلال، صاحب «روتانا»، أكبر شبكة تلفزيونية خاصة بالترفيه والكليبات والرقص. أما قناة «الناس»، فقد كانت بالأساس قناة خليجية، خاصة بالكليبات. ثم حوّلها صاحبها، وهو مستثمر خليجي إلى قناتين دينيتين: «الأولى هي «الناس» الخاصة بجمهور مصر، والثانية هي «الخليجية» الخاصة بجمهور الخليج... أما بالنسبة إلى باقي القنوات، فسهولة البث من القاهرة، تساعدها على الانتشار، علماً أن شركة «نايل سات» مثلاً تقدّم الهواء بمجرد دفع ربع المبلغ المطلوب لإنشاء قناة (120 ألف دولار)، إضافة إلى 30 ألف دولار للتأمين. ثم يتم تسديد الأقساط الباقية من أرباح القناة.قريباً من التمويل، تعدّ هذه المحطات الأكثر انتهاكاً لحقوق موظفيها، وقد وصل الأمر بقناة «الناس» إلى التخلّي عن كل العاملين من الجنس اللطيف، سواء أمام الكاميرا أو وراءها، بسبب الفتوى التي أطلقها الشيخ محمد حسين يعقوب، معلناً أنّه لن يكمل برنامجه إذا بقيت النساء داخل القناة! فيما قدم العاملون في قناة «الفجر» شكوى رسمية بسبب مرور ثمانية أشهر متتالية دون صرف مستحقاتهم. كذلك تعتمد هذه القنوات على ميزانية بسيطة، حتى على مستوى الديكور. إذ يجلس الشيخ على الأرض (مع بعض الخدع يبدو جالساً على مكتب)، فيما تخرج جميع البرامج من بلاتوه واحد غالباً، حتى إن إحدى المحطات الدينية وافقت على البث من استوديو تستخدمه قناة «سترايك» الغنائية، توفيراً للنفقات.
أما على الشاشة، فالتناقض يبدو واضحاً بين مضمون البرامج وتوجّهات المشاهدين. وسط كل البرامج التي تدعو إلى «الهداية»، نجد رسائل لشاب يبحث عن الزواج، ويسأل فتاة عن مواصفاتها وعنوان سكنها! فيما تعلن رسالة أخرى: «أريد الزواج بخليجية لديها سكن وسأسافر لها فوراً... شاب مصري». وكما تغيب الرقابة عن مضمون البرامج، تغيب عن الرسائل التي تزيد من دخل القناة. أما بالنسبة إلى الخدمات، فتقدم هذه المحطات رنّات للموبايل، ودعايات تسويق لكتب وشرائط نجومها من الشيوخ. وهم عرفوا شهرتهم سابقاً في سوق الكاسيت، ووفرت لهم المحطات فرصة تكريس «نجوميتهم» على الشاشة، وخصوصاً أن التلفزيون الرسمي لا يسمح إلا لشيوخ الأزهر بتقديم البرامج الدينية.