strong>عبد الغني طليس
لا يصدّق امرؤ أن الممثل فادي إبراهيم الذي كان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، أي قبل عشر سنوات فقط لا غير، نجم الدراما التلفريونية اللبنانية الصاعدة بعد الحرب، وبطلُ جيل جديد من الممثلين، هو نفسه فادي إبراهيم الذي لم يعد أحد يرى صورته على الشاشة، أو يسمع صوته إلا نادراً! تلك «الطحشة» في النجومية، و«الهيصة» الإعلامية التي قدمته ممثلاً متميزاً، أين هما اليوم؟ وأين ذلك الرجل الأربعيني الذي دخل أحلام صبايا العشرين من العمر، من باب التمثيل... بعدما كادت أحلامهن تقتصر على نجوم الغناء الذين تدعمهم «بروباغندا» إعلامية وإعلانية هائلة القدرات المادية والمعنوية؟... بل أين صناعة الدراما اللبنانية التي تكاد تغيب مجدداً مع غياب فادي إبراهيم و«حبيبته» رولى حمادة؟ كأنها أطلّت برأسها (الدراما)، ثم اكتفت بأن أطلت برأسها، وأتى من تكفّل بقطع الرأس، من كتّاب ومخرجين وممثلين وعقلية إنتاج؟!
لم يقصّر فادي إبراهيم في «قتل» نفسه. هذا الانطباع الأقرب إلى الحقيقة، تسمعه من جهات عدة قيمة على الأعمال التلفزيونية في لبنان. لكن كي تكتمل الحقيقة، ينبغي أن يقال نصفها الآخر الذي هو دخول الدراما اللبنانية في صورة نمطية «إيروتيكية»، جرّدت الكثير من الممثلين والممثلات من العنصر الأبرز المطلوب للتمثيل، ألا وهو الموهبة، نقصد موهبة التمثيل. ذلك أن كل «المواهب» أضحت مطلوبة من الممثلين، باستثناء الموهبة الأولى والأخيرة: التمثيل. حلّ الشكل الخارجي، القوام، التضاريس، الإيحاء الجنسي، الجمال، والمظهر... في المرتبة الأولى. وحلّ التمثيل في المرتبة الثالثة، لأن المرتبة الثانية كانت معقودة اللواء للعلاقات الشخصية: الصداقة، والشللية...
ويمكن القول إن ثلاثة أو أربعة مسلسلات، «قيل» إنها درامية، غزت الفضائيات اللبنانية والعربية بـ«أبطال» لبنانيين كادت تعمي بصر الجمهور الواسع عن فنّ التمثيل لدى جيل اللبنانيين الجدد. وراحت تحوّل الكاميرا صوب عارضات وعارضي الأزياء الذين احتلّوا الاستوديوات تحت بصر الشركات الإنتاجية. وهذه الأخيرة اعتقدت أنها تستطيع، من خلالهم، ربح أكبر قدر من المال والجمهور، واقتناص الفرصة لملء فراغ إنتاجي درامي عربي «متحرر» و«عصري»، وفيه لحم حي... حتى بات لبنان بالنسبة إلى المشاهد العربي، في تلك الفترة الزمنية، مصدراً لا ينضب للنساء الجميلات والرجال المعروفين بالوسامة. لم يعد الإنتاج الدرامي صناعة تلفزيونية، بل بات صناعة أجساد. وفي وقت قياسي في قصره، غرقت المسلسلات في ما لا تحمد عقباه من التجارة الرخيصة كمّاً ونوعاً، ولم يبق إلا الأقل من القليل، يمكن «النظر» إليه تلفزيونياً من أعمال محلية جيدة. فادي إبراهيم ظهر بداية الثمانينيات أولاً، لكن ظهوره كنجم كان مع بزوغ ظاهرة الدراما اللبنانية الجديدة منتصف التسعينيات مع كتّاب جدد يحملون لغة مختلفة وصياغات فنية متمايزة. بقي ما يقرب من عشرين عاماً، ممثلاً معروفاً وجيداً، تطرق النجومية بابه بين الحين والآخر، حتى جاءت «العاصفة تهبّ مرتين». ومن مسلسل إلى آخر، كانت الشخصية نفسها تتكرر مع بعض التعديلات الظاهرية. فادي هنا هو فادي هناك، وفادي هنالك هو فادي في كل مكان... استساغ الكتّاب والمخرجون نجاحه في دور معين، أصدروا مذكرات جلب بحقه إلى أعمالهم من دون أي عناء في اكتشاف جديد فيه، فيما استساغ هو ذلك الدور. وكمن يلحس المبرد، وجد فادي إبراهيم نفسه بعد عدد من المسلسلات والسنوات القليلة، يأكل من رصيده المعنوي، ويستهلكه بعجلة. تزامن ذلك مع لهو شخصي غير بريء وغير واع وغير محسوب النتائج منه، أطاح صورته لدى أهل الإنتاج والعمل التلفزيوني ككل. وفجأة، افتقد فادي إبراهيم ما كان بناه أو أكثر مما كان بناه، واليوم يبحث عنه الجمهور، كما يبحث على الأرجح هو عن نفسه، كما تبحث هذه المقالة!
يذكر أن فادي إبراهيم يطلّ في رمضان عبر خماسية «كليوبترا» من سلسلة «حواء في التاريخ».
21:30 على LBC