القاهرة ــ محمد خير
  • الصيف قلب المعادلات: وداعاً الكوميديا النظيفة

  • الصيف في مصر كان حاراً أكثر من العادة. دارت السينما دورتها لتعود إلى نقطة الانطلاق. وها هو عادل إمام يسترجع «الزعامة» الضائعة، ويتربّع على رأس قائمة الإيرادات، معيداً بعض الأمل إلى السينما المصرية التي غرقت في ضياع المعايير... أما جمهور يوسف شاهين، فعليه أن ينتظر عيد الأضحى لمشاهدة «هي فوضى»

    ما تحسبه انتهى قد يعود مجدداً أقوى مما كان... وعندما سيطرت «هوجة» الكوميديا النظيفة على السينما المصرية نهاية التسعينيات، وحقّق النجوم الشبان أعلى الإيرادات، تحوّل أبوهم الروحي عادل إمام إلى ذكرى طيبة، ونظر النقاد إلى إيراداته بشفقة. على رغم أنّ إيرادات «الزعيم» لم تتراجع يوماً، ولم تسجّل رقماً في موسم أقل من سابقه، إلا أنّ رقم سبعة إلى عشرة ملايين جنيه (٧٠٠ ألف إلى مليون دولار أميركي) ظلّ متواضعاً أمام أرقام هنيدي وعلاء ولي الدين ثم محمد سعد. أرقامهم كانت تبدأ من ضعف أرقام إمام. فماذا حدث حتى دارت السينما دورتها وعادت إلى حيث كانت؟ وكيف تربّع عادل إمام في الموسم الصيفي الحالي على رأس قائمة الإيرادات؟ في الوقت الذي يتبعه بخجل كل من محمد سعد فمحمد هنيدي. ورغم مغالطات الموزّعين، وأرقام الإيرادات المضلّلة، بدا بوضوح أنّ منافسة «الكتف بالكتف» التي احتدمت بين عادل وسعد في الأسبوع الأول لفيلميهما اللذين نزلا إلى الصالات في اليوم نفسه، انتهت إلى تفوق واضح لإمام، حتى لو لم يعلن سعد رسمياً هزيمته.
    عروض الكوميديا بدأت في الموسم الحالي من حيث لم يحسب الجمهور. أحمد السقا قدّم عمله الكوميدي الأول في «تيمور وشفيقة»، وهو باكورة المخرج خالد مرعي «المونتير» السابق الذي عمل على توليف فيلم «قص ولزق» لهالة خليل، المعروض في الموسم نفسه، أما التأليف فلتامر حبيب صاحب «سهر الليالي»... المفارقة أنّ السقا لم يتشارك البطولة مع إحدى نجمات الكوميديا مثل ياسمين عبد العزيز مثلاً، بل قامت بدور «شفيقة» منى زكي، المحسوبة في خانة الرومانسية. يتناول الفيلم قصة صديقيّ طفولة يكبران ويفترقان ثم يلتقيان في العمل. الفتاة اختيرت فجأة كوزيرة للبيئة، بينما الشاب مسؤول الحراسة الخاص بها. رأى بعضهم أنّ الفيلم مزيج من «بودي غارد» الشهير لكيفن كوستنر وويتني هيوستن، وفيلم «مراتي مدير عام» لفطين عبد الوهاب من بطولة شادية وصلاح ذو الفقار... مع فارق بسيط، أنّ الفيلمين الشهيرين لم ينتهيا باعتزال المرأة وجلوسها في المنزل، كما في «تيمور وشفيقة». في جميع الأحوال، حقّق الفيلم إيرادات جيدة تخطّت 17 مليون جنيه، وقد ساعده الموزّعون بأن عرضوه منفرداً قبل نزول أفلام الكوميديا «الثقيلة».
    وعلى عكس المتوقع، نجح فيلم «عمر وسلمى» من بطولة تامر حسني ومي عز الدين في تحقيق إيرادات جيدة، ما استفزّ النقاد! لكنّها إيرادات تقل أيضاً عن الأرقام الخيالية التي أعلنتها الشركة. ومرّ فيلمان مرور الكرام، هما «أحلام الفتى الطائش» البطولة الأولى لرامز جلال، و«صباحو كدب» لأحمد آدم، اذ لم يحققا نجاحاً فنياً ولا نقدياً، واستعد الجميع بآلاتهم الحاسبة لنزول أفلام نجوم الكوميديا الكبار، فكانت المفاجأة أكبر من أن يتوقعها أحد.
    كان يفترض أن ينزل «كركر» فيلم محمد سعد الجديد (قصة أحمد عبد الله وإخراج علي رجب) إلى الصالات بعد أيام من نزول فيلم عادل إمام «مرجان أحمد مرجان» (قصة يوسف معاطي وإخراج علي إدريس). وفي احتفالية افتتاح فيلم إمام التي أقامتها شركة «غودنيوز» منتجة الفيلم، فاجأ أحمد السبكي منتج «كركر» الجميع، وبدأ عرض فيلمه في اليوم نفسه. اندفع الجمهور إلى الصالات، وحقق الفيلمان إيرادات بمتوسط مليون جنيه يومياً في الأيام الأولى. استمر إمام على معدّله تقريباً، لكنّ سعد انحدرت إيراداته بدءاً من الأسبوع الثاني. ومع الأسبوع الثالث، بدت هزيمة سعد واضحة.
    ظل فيلم هنيدي «عندليب الدقي» للمخرج وائل إحسان (تأليف الشاعر أيمن بهجت قمر)، مستريحاً في مركزه الخامس حتى الآن... ولا يبدو أنّه سيصعد إلى المركز الرابع. ومنذ أيام، نزل إلى الصالات فيلم أحمد حلمي، النجم الذي يتقدم بثبات عاماً بعد آخر. عمله الجديد هو «كده رضا» حقّق إيرادات ستدفع بهنيدي قريباً إلى المركز السادس. ويتوقع النقّاد أن ينافس حلمي على المركز الأول بفيلمه الذي ظلت الشائعات تطارده إلى اللحظة الأخيرة. إذ ساد اعتقاد بأنّ الفيلم لن يلحق بالموسم الصيفي، وسيُرحّل إلى موسم عيد الفطر، لينافس فيلم خالد يوسف الجديد «حين ميسرة»، من بطولة عمرو سعد وسمية الخشاب.
    أما فيلم يوسف شاهين «هي فوضى» الذي حققه مع خالد يوسف، اختير للمسابقة الرسمية في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، فاستقر الأمر على عرضه في عيد
    الأضحى.
    تفوّق عادل إمام قد يعيد الكثير من النجوم إلى رشدهم. فالفارق بين فيلمه وأفلام منافسيه، هو أنّ «مرجان» ـــــ كما كان «يعقوبيان» وقبله «السفارة في العمارة» ـــــ فيلم يراعي الحد الأدنى من قواعد الدراما. إذ إنّ للفيلم تمهيداً وعقدةً وصراعاً وحلّاً. أما الرأي في الفيلم وعناصره إيجاباً وسلباً فمسألة أخرى. ذلك أن «الكوميديانات» الجدد، كادوا يُفقدون السينما المصرية ذاكرتها من فرط تجاهلهم أبسط أصول السينما. في أفلامهم أحداث لا منطق لها، وشخصيات فاقدة الجذور، يختفي بعضها من الفيلم فجأةً بضربة مونتاج أخيرة أو استسهال من السيناريست أو المخرج، وغالباً نزولاً عند رغبة النجم
    الأوحد.
    من هنا، يقدّم سعد وهنيدي وأحمد حلمي في موسم واحد أفلاماً متشابهة من حيث تقديم البطل شخصيات عدّة: حلمي يقدم الأشقاء الثلاثة «البرنس وبيبو وسمسم»، وهنيدي يقدّم شخصية الشقيقين فوزي وفواز، أما سعد فيقدم أربع شخصيات دفعةً واحدةً، أي كركر وأبيه وابن عمه الذي تنكّر في صورة عاهرة! وعلى رغم التفوق النسبي لفيلم حلمي، فقد وضعتهم تنافسيّة الشبان في خانة واحدة.
    أما عادل إمام الذي يقتبس فيلمه من الشريط الأميركي «العودة إلى المدرسة»، فيقدّم قصة رجل أعمال ثري وفاسد، يقرر أن يكمل تعليمه، فيلتحق بالجامعة ويصادق الطلبة صغار السن... وإذ به يصبح نجماً داخل الجامعة من خلال علاقاته وخبرته، وينجح في الانتخابات الجامعية، ويتورط مع التيار الإسلامي، وينقل مجتمع الخارج إلى داخل الحرم الأكاديمي. يرشو الجميع، فيحصل على جوائز في الشعر والرياضة! ولا تقف في وجهه سوى الأستاذة الجامعية الجميلة ميرفت أمين. القصة شيّقة جذبت جمهوراً غفيراً، معظمه من الصغار الذين يعدّون بداهة ضمن ذخيرة النجوم
    الشبان.