strong> بشير صفير
  • «مســرح بابــل» ينطلــق تحــت لــواء الطــرب الأصيـل

  • هذا المساء يفتتح «مسرح بابل» موسمه الأول، بسهرة مع سميّة بعلبكي ضمن سلسلة «أماسي رمضانيّة» التي تقدّم فنانين من العراق ولبنان والأردن، يبحرون عكس التيار الاستهلاكي. والأسماء المشاركة تلتقي عند رهان النوعيّة، والموسيقى الراقية... ما يعطي فكرة أوليّة عن التحدي الثقافي الذي يطرحه على نفسه المخرج العراقي جواد الأسدي. إنها الولادة الرسميّة لمسرح جديد في بيروت

    يبدو طبيعياً طغيان الحضور العراقي على النشاط الموسيقي الأوّل الذي يقيمه مسرح «بابل» البيروتي الذي أسّسه المسرحي العراقي جواد الأسدي. هذا الفضاء الذي يجري العمل على إحيائه منذ أشهر، يفتح أبوابه للمرّة الأولى للجمهور، ليقدّم برنامجاً موسيقياً غنياً، يبدو منذ اللحظة الأولى مسكوناً بهاجس الدفاع عن الموسيقى الجادة والأصيلة، بعيداً عن ديكتاتوريّة السوق وإرهابها الذوقي.
    ولا نبالغ إذا قلنا إن هذا البرنامج الذي يتواصل حتى 12 تشرين الأول (أكتوبر)، مهرجاناً موسيقياً بحدّ ذاته. من حيث امتداده زمنياً، وتعدّد الفنانين المشاركين فيه، وإن كانوا ينضوون في نهاية المطاف تحت راية واحدة من حيث أسلوب التعبير. هكذا، يلاحظ مَن يستعرض البرنامج أنّه لا اسم نافراً فيه، بل يكاد يتوقّع الأسماء المشاركة كلّها ما أن يطالعه أول اسم سيفتتح هذه «الأماسي الرمضانية».
    يجمع هذا الحدث الموسيقي، الملتزم وغير التجاري، ستة فنّانين من لبنان والعراق والأردن. وتفتتحه هذا المساء المغنّية اللبنانية سميّة بعلبكي، المتوارية دوماً عن أضواء الإعلام (الذي لا شغل له أصلاً سوى فناني الفيديو كليب التجاري). تلتقي سمية اليوم جمهورها البيروتي الذي يشتاق إليها بسبب ندرة إطلالاتها في السنوات الأخيرة. وبعيداً من اللقاء الحيّ، يعرف الجمهور هذه الفنانة اللبنانية من خلال أسطوانتها اليتيمة «لا أريد اعتذاراً» (1997) التي غنّت فيها الجنوب وقضايا الناس، وأيضاً مشاعر الحب وفصوله الأليمة.
    تقدّم سميّة أغانيها على مدى ليلتين متتاليتين في 19 و 20 أيلول (سبتمبر) الجاريوتليها في إحياء أمسيات «مسرح بابل» الموسيقية، المغنّية والمؤلفة وعازفة العود (والناقدة) اللبنانية من أصل عراقي سحر طه (22 أيلول/ سبتمبر). غنّت سحر طه خلال مسيرتها الفنية فلسطين في أمسيات التضامن مع الشعب الفلسطيني... كما كانت لها تجربة في الموشّح الأندلسي. وأحيت التراث الموسيقي العراقي وأغنيته الشعبية في أسطوانة «بغداديات» التي جمعتها بعازف العود العراقي عمر بشير، نجل المعلّم منير بشير. وضمن هذا الهم الفنّي في العودة إلى الجذور، جاءت أسطوانتها الأخيرة «أغنيات من التراث العراقي» التي حوت كلاسيكيات الذاكرة الشعبية العربية، وهي آتية من العراق، علماً بأنّ قلّة من الجمهور تعرف مصدرها هذا!
    ومن الأصوات الطربية النسائيّة إلى العود المنفرد. أول ضيوفه في رمضان البابلي الموسيقي العراقي نصير شمّة، وهو من أبرز الأسماء المرتبطة بهذه الآلة الشرقية الأكثر انتشاراً في العالم. يتميّز أسلوب نصير خصوصاً في مجال أسلوب التأليف البعيد عن كلاسيكية التقسيم، وأيضاً في مجال ابتكار تقنيات العزف على العود وتطويرها ومنهجتها. ولا يغفل شمّة أبداً العراق ومعاناته في مؤلفاته، وإن كانت آلاتية (موسيقى للعود من دون نصّ كلامي).
    وأبرز المعزوفات التي ألّفها في هذا المجال، نذكر «حدَثَ في العامرية» عن المجزرة التي قضى فيها 800 قتيل في ملجأ بالعراق في منطقة العامرية في التسعينيات. يتمتّع نصير شمة بتقنيّة عالية تمكّنه من التعبير عن تفاصيل يعجز الكلام أحياناً عن تصويرها. ويلتقي الجمهور اللبناني مساء الثاني والثالث من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بعدما طال غيابه عن بيروت منذ حفلاته منتصف عام 2004، وقَبلها خلال صيف 2003.
    وسيكون للشعر ــــ والشعر العراقي الريادي تحديداً ــــ نصيبه في خضمّ برنامج «أماسي رمضانيّة». إذ يستقبل المسرح ضيفاً خاصاً، يقلع لليلة عن نجوميّة الشاشة الصغيرة، ليلتجئ إلى ظلام الخشبة المتقشفة، ويعير صوته وأحاسيسه لقصائد نازك الملائكة. إنّه زاهي وهبي الذي ليس غريباً عن الشعر (5 و 6 تشرين الأول/ أكتوبر)... والمفاجأة الأخرى هي مشاركة المغنية الأردنية مكادي نحاس في هذا الطقس الشعري الخاص. هذه الفنانة الشابة استهلّت مسيرتها بألبوم خاص بالتراث العراقي ضمّ مجموعةً من الأغنيات وحمل عنوان «كان يا ما كان». ثم تلاه عمل آخر صدر منذ بضعة أشهر حوى أغنيات عدة من التراث المشرقي جمعتها نحاس تحت عنوان «خلخال».
    ويشارك الفنان زياد الأحمدية في إحياء أمسية واحدة (٧ تشرين الأول/ أكتوبر). يقدّم عازف العود اللبناني مجموعة من أغانيه الخاصة التي يتناول فيها حالات إنسانية واجتماعية ووجدانية وعاطفية. ومن المتوقع أن يقدّم مقطوعات موسيقية، إذ إن تجربته تنقسم بين الأغنية والموسيقى الصامتة في ألبوميه الصادرين في السنوات الأخيرة «بالبال» وBeyond Traditions اللتين يقدّم فيهما دون تداخل، الأغنية الشرقية الحديثة وغير التجارية من جهة، والجاز الملوّن شرقياً أو العكس من جهة أخرى.
    ويختتم «مسرح بابل» موسمه الرمضاني، وبرنامجه الأول، بأمسيتين للمؤلفة الموسيقية والمغنّية جاهدة وهبه التي تلتقي مع سحر طه عند قاسم مشترك على الأقل. فكلتاهما لحّنت وغنّت نصوصاً معرّبة للأديب الألماني صاحب نوبل غونتر غراس. وربما تجمعهما أيضاً بغداد التي غنّت جاهدة جراحها الراهنة من خلال قصائد أمل الجبوري... انتقلت وهبه أخيراً من تقديم الطرب الكلاسيكي بصوتها المتمكّن، إلى تجربة الأغنية الطربية الحديثة الخاصة، من خلال قصائد كتاب بارزين بينهم صاحب «الطبل الصفيح» وأحلام مستغانمي وأنسي الحاج... وقد ضمنت معظم تلك المحاولات، أسطوانتها الصادرة حديثاً بعنوان «كَتَبتني».

    «أماسي رمضانية» ابتداء من هذا المساء
    مسرح «بابل»، الحمرا، 01,744034