strong>سيرين قوبا
«عشعشت» في أذهان الناس منذ أكثر من خمسة عشر عاماً أخبار وأقاويل عدة عن بناية مؤلفة من خمس طبقات على طريق تعنايل، قيل إنها «مرصودة وتسكنها الأرواح والجن، وتزورها الشياطين نهاراً والأشباح ليلاً». وسكنت بين جدران ذلك المبنى المحاذي للطريق الدولية في البقاع، أخبار عن مدى خطورة الدخول إليه إذ «تتلطخ ملابس زائره بالدماء التي تخلّفها «وليمة» الشياطين بعد قتلها الإنس داخل إحدى غرف المبنى»، هذا بالإضافة الى «ملاحقة الأشباح له وسماعه أصواتاً غريبة تطارده من مكان الى آخر في ظلمات الليل». كل هذه التخيلات والأحداث الخرافية بدأت تتناقل من شخص الى آخر ولا تزال تشكل هاجساً مرعباً لغاية اليوم عند بعض السكّان والمارّة الذين يسرعون الخطى أثناء مرورهم قرب البناية خوفاً من «العفاريت»! ولكن ما أساس تلك الرواية؟ ولماذا بقيت تلك البناية فعلياً غير آهلة بالسكان حتى الساعة؟
بدأت القصة مع الحرب اللبنانية، وتحديداً مع «عزّ الدين» وهو الناطور الذي كان موكلاً حماية المبنى «من كل مهجّر أو محتلّ أو حتى طالب إيجار»، إلّا أن وجوده لم يكن كافياً لمنع اللاجئين أو المهجرين الى البقاع في تلك الفترة من السيطرة عليها واحتلالها عدّة مرّات، فكان يعمد في كل مرة الى طلب النجدة من أحد «الزعماء السياسيين» في المنطقة لإخلاء المبنى بالقوّة. وقد اضطرّ «عز الدين» الى تكثيف زياراته وتسطير شكاواه لدى مختلف القوى السياسية التي كانت تسيطر على المنطقة حينها لمساعدته على الحفاظ على المبنى خالياً من أي كان. وذات يوم أتى الى المبنى مهجّرون غير لبنانيين محمّلين بأكياس من الأمتعة واللوازم، تقلّهم شاحنة مزوّدة بالفرش والخزائن والطعام، ولم يكن منهم إلا أن تصدوا لـ«عز الدين» خلال محاولته منعهم من دخول البناية فاقتحموا المكان عنوة، وباشروا توضيب أمتعتهم في أحد الطوابق، وفي هذه الأثناء أسرع الناطور لإبلاغ «النجدة السياسية» والاستعانة بها لإنقاذه من الوضع المستجدّ، وما كان من تلك القوّة إلا أن أرسلت فرقة عسكرية طوّقت المبنى وأنذرتهم بإخلائه «خلال مدة لا تتجاوز خمس دقائق». عندها دبّ الهلع في نفوس المحتلين، وللإسراع في إخلاء المكان، بدأوا برمي أمتعتهم من على الشرفات والنوافذ مهرولين للصعود الى الشاحنة التي أبعدتهم عن المبنى. وعندما شاهد أبناء المنطقة والمحيطون بالمبنى منظر الفرش والأمتعة والأغراض «تتطاير من النوافذ» والسكان يسرعون للفرار منها، ظنوا أن البناية «مسكونة بالشياطين» ومنذ ذلك الوقت كان كلّ من يأتي إليها يغادرها مسرعاً وبطريقة مفاجئة، ما دفع السكّان الى إطلاق تسمية «البناية المسكونة» عليها.
وقد بقي المبنى على حاله طوال السنوات الماضية ولم يتأثر بالحروب والقصف الإسرائيلي الأخير، وهو اليوم خال من السكان بسبب تلك الأقاويل والشائعات التي أطلقت عليه منذ زمن، وتبيّن أنه مبنى خال من الدعائم الأساسية ولا يصلح للسكن أصلاً، وقد يعرّض ساكنيه «فعلاً» لخطر الموت. إلا أنّ المعلومات الأخيرة تشير الى أنّ المبنى سيهدم قريباً وستجرف الأرض التي بني عليها بسبب مشروع شقّ طريق «الأوتوستراد العربي» الذي سيمرّ في عقاره.