عمان ـــ نوال العلي
هل غادر الشعراء؟ أم الشعر هو الذي غادرهم هرباًَ من لعنة المنبر وادّعاءات الرموز؟ هناك، على منبر «مهرجان جرش الشعري»، وقف خمسون شاعراً عربياً وأجنبياً شاركوا في احتفالات المهرجان بيوبيل لم يكن لفضّته بريق على الإطلاق. وهناك أيضاً اختلط الحابل بالنابل في أمسيات تميّزت بحضور أقل من متواضع، وبجمهور راح يتذمر ويغادر القاعة بحجّة التدخين. فالإصغاء للشعر الرديء مؤلم تماماً، مثل متابعة مشهد سينمائي يشوّه فيه وجه امرأة جميلة. إلا أنّ شعراء جرش لم يحتفوا بالشعر بقدر ما كان المهرجان ـــ على علّاته ـــ تجمعاً لهم. وهم بأنفسهم وصفوا الأمسيات بأنّها أسوأ دورة مرت على المهرجان مذ عرفوه، علماً بأن معظمهم تتكرر مشاركته
سنوياً.
وكانت أمسيات جرش الشعرية قد بدأت مع الشاعر التشيلي لويس أرياس مانثو، بعدما تأخرت الأمسية أكثر من ساعة بحثاً عمّن يتقن الإسبانية، كي يصبح بوسع الشاعر أن يتواصل مع الجمهور. فمانثو لم يأت فقط لإلقاء قصائده، بل كان يرغب بالحديث عن «تشيلي ابنة القارة الشابة وعلاقتها بالحضارة العربية العجوز».
باختصار، كانت الأمسيات كثيرة، فيها القليل القليل من الشعر. وهو على قلته، لم يحفل سوى بالمواضيع الكبرى على نحو كلاسيكي، كأن الحداثة لم تمرّ، إلا برموزها وتحرّرها الخارجي، على كثير من الشعراء المدعوّين. أو ربما أنهم لم يفكّوا طلسمها، فيما العالم بأكمله يعيش ما بعدها. وإلا فلماذا لا يعتزل المصري محمد أبو دومة الشعر مثلاً؟
الشاعرات؟ تلك قصة أخرى. فأين تكمن الشعرية التي تجعل من تلك العبارات الهلامية شعراً؟ وتلك الشاعرة، من تكون لولا أنوثتها! لنستمع إلى آمال موسى أحد أعمدة مهرجان جرش وضيفته المواظبة: «أنا المحترقة/ ببرد وحشتي/ نفخت في الجمر الأثير ماء السماء/ فما نطق الغمام مطراً/ فقدت ناري/ أعيش، عنصري المفقود/ تحاصرني الحدب أمام كل زرقة ضاحكة».
بين الشعراء المشاركين: لاس سوديربيرغ (السويد)، أنجيلا غارسيا (كولومبيا)، كييكو كوما (اليابان)، هدى أبلان وحسن اللوزي (اليمن)، آمال موسى ويوسف رزوقة (تونس)، الياس لحود ومحمد علي شمس الدين (لبنان)، محمد أبو دومة وفاطمة ناعوت وأحمد الشهاوي (مصر)، رشا عمران وتوفيق محمد وعادل القرشولي (سوريا)، غسان زقطان (فلسطين)، أحمد العجمي (البحرين)، ريم قيس كبة (العراق)، حسن نجمي (المغرب)، سيف الرحبي (عمان)، ميسون صقر (الإمارات).
وهناك أيضاً الشاعر البوسني زلهاد كلوتشنين الذي حمّلنا من حزنه أكثر مما نحتمل. لكنّه لم يبخل بشعريته على الأمسيات البائسة: «كدت أقول إن الكلب فضي/ البدر ذهبي/ ولكنه يجعل فضة كل ما تحته/ وفي تلك اللحظة يبدأ إلقاء القنابل/ فأشعر أنّ شيئاً ناعماً وكثيف الشعر بين رجلي».
ولم تخل الأمسيات من الطرائف أيضاً: عبدالله باشراحيل استغل وقوفه على المنصة، ليطلب يد الشاعرة السورية سهام شعشاعة بتقديم الشمس والقمر مهراً على غرار الأفلام الهوليودية. لكن العروس لم تعلن قبولها والجمهور لم يصفق لتلك الرومانسية البليدة، وانفلتت ضحكة من الشاعرة السورية رشا عمران، فما كان من «الشاعر السعودي» سوى أن وجّه إلى عمران كلمات جارحة. عندها غضب بعض الضيوف مثل إلياس لحود ومحمد علي شمس الدين وعادل قرشولي... وطلبوا من إدارة «مهرجان جرش» أن تتّخذ «الإجراءات اللازمة» تجاه باشراحيل، واصفين ما حدث بـ«الإهانة»، فتم «تسفيره» في الليلة نفسها.
وبقي السؤال: هل هناك مكان على الأرض يمكنك أن تسمع فيه شعر باشراحيل... إلا في جرش؟!