فقدت السينما التونسية والعربية يوم الجمعة الماضي، أحد أبرز رموزها، برحيل المنتج أحمد بهاء الدين عطية (61 عاماً) بعد صراع طويل مع المرض. وعاد «حميّد» ــــ كما كان يسميه صحبه وزملاؤه في تونس ــــ ليوارى في الثرى في مسقط رأسه بمدينة سوسة الساحلية (140 كلم عن العاصمة) في حضور حشد كبير من الإعلاميين والممثلين والمثقفين التونسيين.وربّما أمكن القول إن السينما التونسيّة التي عرفناها وصفّقنا لها، وفرضت حضورها في العالم العربي والغربي على السواء، لم تكن لتبصر النور على هذه الصورة، لولا ساحر خفي، ومنتج مغامر، اسمه أحمد بهاء الدين عطية. سينما المؤلف، على وجه الخصوص، تدين له بالكثير في تونس: من فريد بوغدير الذي كان فيلمه «عصفور السطح ــــ حلفاوين» أول مفاجآت تلك المرحلة، إلى نوري بوزيد الذي رافقه عطيّه طوال مسيرته، وأنتج معظم أفلامه من «ريح السدّ» (التانيت الذهبي في «ايام قرطاج» ــــ 1986)... إلى أحدث أعماله «آخر فيلم» في العام الماضي. ولا ينبغي أن ننسى مفيدة التلاتلي التي أدهشتنا بفيلمها «صمت القصور» (التانيت الذهبي ــــ 1994). كذلك أنتج حميّد فيلمي السوري محمد ملص «الليل» و«باب المقام». وخاض مع ملص مغامرة لم تكتمل هي نقل «البحث عن عايدة»، مونودراما جليلة بكار (اخراج الفاضل الجعايبي) إلى الشاشة.
كثيرون لا يعرفون أن الرجل الصلب، والمنتج الحديدي، بدأ مسيرته السينمائية مخرجاً، وله فيلمان: «تكرونة» و«بائع الماء». ولد عطية في سوسة عام 1946 ودرس الآداب المعاصرة في جامعة السوربون في فرنسا، ثم تحول الى دراسة السينما في العاصمة الايطالية. وإثر عودته الى تونس عام 1974، ترأس جمعية السينمائيين التونسيين.
وتوجه حميّد في الثمانينات الى الإنتاج مؤسّساًً Cinétéléfilms التي اصبحت اهم شركة انتاج في المغرب العربي. وكان من اشد المدافعين عن فكرة الانتاج المشترك. وكان عطية قد توجّه في السنوات الاخيرة الى انتاج اشرطة وثائقية، فأسس «استديوهات تونس» لإنتاج أفلام الكرتون وأنتج أول فيلم بعنوان «تحيا كارتاغو» الذي روى فيه تاريخ قرطاج. ترأس عطيّه مهرجان «ايام قرطاج السينمائية»، في التسعينات، وشارك في بعث «اتحاد السينمائيين الافارقة» وفي تأسيس «منظمة منتجي الافلام المتوسطيين».
كواليس الفن السابع ستفتقد طلته النزقة، وغيابه سيترك فراغاً على الساحة السينمائية العربية. يرحل عطيّه في لحظة مفصليّة أحوج ما تكون فيها الثقافة التونسية (والسينما تحديداً) إلى المشاكسين والمغامرين.