حيفا ـــ فراس خطيب
يوميات يحاصرها الخوف

تحت شعار «الحقيقة مرة أخرى»، بدأت أمس في مدينة عكا القديمة فعاليات مهرجان «مسرحيد 2007» للمسرح المونودرامي التي تستمر ثلاثة أيام وتتخلّلها عروض موسيقية واستعراضية من الفرق الشعبية العكاوية وصولاً الى الأوركسترا الموسيقية الشابة بقيادة المايسترو وسام جبران. يمتاز مهرجان «مسرحيد» بأجواءٍ «عكاوية» قديمة تضفي على المسرحيات المشاركة زخماً غير مألوف في المسارح التقليدية.
وهذا العام، تشارك في المسابقة الرسمية ستة أعمال يتركّز معظمها على رصد حياة محاصرة بالخوف. هكذا سيلعب لطف نويصر في مونودراما «الملك لير» المقتبسة عن النص الشكسبيري المعروف (إخراج كامل الباشا) دور حكواتي فلسطيني فقد كل شيء في لعبة تمزج بين قصته وحكاية الملك لير المنفي والمطارد. وفي «الصوت الإنساني» للكاتب جان كوكتو (إخراج منير بكري)، تؤدي لنا زريق قصة مقتبسة عن حياة المغنية إديث بياف فيما يلعب نهد بشير دور راع فلسطيني في«الأسير» للكاتب س. يزهار (إخراج ارييه ياس) يقع بين أيدي جنود يهود.
ويقدّم الممثل سالم درويش مونودراما «حارس المرمى» (تأليف وإخراج ضرغام جوعيه) التي تتناول حادثة «ظريفة» يتعرّض لها حارس مرمى فريق «سخنين» (مدينة فلسطينية في الداخل) لكرة القدم قبل المباراة بدقائق، إذ يصاب بوعكة تجبر الإدارة على التفتيش عن بديل.
وتجسّد تهاني سليم في «سماء خفيفة» (تأليف غسان زقطان وإخراج سوزان ـــــ فراجه) شخصية امرأة فلسطينية تحتاج الى علبة سجائر في إحدى ليالي منع التجول في رام الله لكنّها لا تخرج خوفاً من القناص الاسرائيلي. أما «انبعاث» (تأليف وإخراج عفيف شليوط وتمثيل سليمان سلامة) فتروي قصة حقيقيّة عن رحلة شاب بدءاً من مغادرة المنزل وصولاً الى السجن والإدمان.
ويستضيف المهرجان أيضاً ثلاث مسرحيات خارج إطار المسابقة هي «ذاكرة للنسيان» (تمثيل فرنسوا أبو سالم، تأليف محمود درويش، إخراج نزار الزعبي)، ومسرحيتين باللغة العبرية هما «تجلٍ على مفرق سومخ» و«عابر إسرائيل».
فكرة المهرجان بدأت عام 1992 عندما اقترح الفنان أسامة مصري على إدارة مسرح «الكرمة» في حيفا الذي كان يديره يومها سليم ضو فكرة إنتاج مهرجان لمسرحيات الممثل الواحد باللغة العربية. هكذا بُدئ العمل على تطبيق الفكرة وأُطلقت كلمة «مسرحيد» على المهرجان التي تجمع بين «مسرح» و«وحيد»، كما تطلق إدارة المهرجان على المونودراما اسم «مسرحيدية». عقد المهرجان مرتين في حيفا، وانتقل منذ ست سنوات الى عكا ليصبح مهرجاناً سنوياً رسمياً.
حالياً، المهرجان من إنتاج مسرح المركز في عكا ويديره أسامة مصري، والفنانة اليهودية سمدار يعارون من «المركز». ومنذ البداية، كانت فكرة المهرجان تقديم منصّة للممثلين الفلسطينيين في الداخل، إلا أنَّ الأمر لا يخلو من فعاليات أمكن ملاحظتها في العامين الأخيرين، وتشدّد في مضمونها على «التعايش العربي ــــــ اليهودي».




نجوان درويش

الضحية والجلاد في حفلة تنكرية؟

بروباغندا «التعايش اليهودي العربي» صارت تجد مكانها المفضّل في المهرجانات الفنية وقطاع الثقافة والفنون في فلسطين المحتلة عام 1948. وأصبح للأمر «نكهة» خاصة بعد تعيين عضو كنيست عربي من «حزب العمل» الإسرائيلي وزيراً للثقافة والرياضة في الحكومة الإسرائيلية الحالية. ومهرجان «مسرحيد» للمونودراما (مسرح الممثل الواحد) في عكا، مثال على «لعبة التعايش» بين الضحية وابن عمها الجلاد في أجواء تنكرية. في حين أنّ سياسة تهويد عكا والتضييق على البقية من أهلها الفلسطينيين تبتكر أساليب جديدة كل يوم!
المهرجان العتيد، الذي يفتتحه عادة رئيس بلدية عكا الإسرائيلي شمعون لانكري ويرأس هيئته الإدارية القاضي فارس فلاح، وتتولى إدارته فنانة إسرائيلية مع فنان فلسطيني، يصب في بروباغندا التعايش أكثر مما يخدم الحراك المسرحي الفلسطيني ــــــ عفواً «العربي» فكلمة فلسطيني لا يحبذ استعمالها كثيراً في مهرجان كهذا! العنوان العريض هو «التعايش العربي اليهودي» وإن كان المسرحيون الفلسطينيون يعتبرونه مساحة لتلاقيهم في محاولة لتجاهل العنوان العريض ومحمولاته السياسية (هل يمكن تجاهل محمولات مماثلة؟). ولا يقتصر الأمر على الاستغفال السياسي الذي تمارسه مهرجانات كـ«مسرحيد»، بل إن الإنتاج المسرحي الذي يقدّمه المهرجان («المسرح الوطني الفلسطيني» جلب مجموعة من عروضه في السنوات الماضية إلى القدس) لا يتصف بالجودة بل يتغاضى عن المستوى الفني لمصلحة إقامة «مهرجان للمونودراما العربية في إسرائيل بمشاركة فرق عربية ويهودية» يُبرز عكا كـ«مدينة للتعايش اليهودي العربي»!
طبعاً الأمر يتعدى هذا الاختزال، إذ إن الأمر يستحضر إحدى التراجيديات العربية المعاصرة، أي قضية ما يسمى «فلسطينيي الـ48»، وخصوصاً بعدما أسقطت اتفاقية أوسلو حقوقهم كفلسطينيين وتركتهم فريسة لـ«المواطنة الإسرائيلية»! طبعاً لن ننساق هنا وراء أحد الموقفين التقليديين التعميميين: أي جلد الضحية لـ«تفريطها» بما أُخذ منها عنوة في الأصل (في شيء شبيه بإعدام المُغتصبة في ما يسمى جرائم الشرف) أو رفع العتب عنها وتبرير كل ما يصدر عنها حتى لو كان ذلك خطأ بحق نفسها وتخلّفاً سياسياً. وكلا الموقفين يصبّ في تعميمية فضفاضة، فالأمور تقاس بسياقاتها
وظروفها.
مشكلة العمل الثقافي الفلسطيني في فلسطين الـ48 أنه خاضع لـ«الرعاية» الحكومية الإسرائيلية ومموّل عبر وزارة الثقافة الإسرائيلية وبلدياتها وصناديقها ومؤسساتها الأخرى. ووجهة النظر التي تقبل بذلك، تبرر الأمر بأنّها «نقود الضرائب التي ندفعها» أو «أننا نثبت وجودنا بهذه الطريقة» أو «لا ينبغي أن نعفي الإسرائيليين من هذه الاستحقاقات». وللأسف لم تتبلور حتى الآن بدائل لـ«الرعاية الإسرائيلية» كرعاية عربية مثلاً للمؤسسات الثقافية الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948.