strong>عـلي عطوي
تمضي أم فراس بحر (40 عاماً) معظم أوقاتها على الكورنيش البحريّ لمدينـة صور الجنـــــــــوبية. هي ليـست مثل باقي الـنساء اللواتي يتمشّينَ أمام عينيها ذهاباً وإياباً، هرباً من الملل ورغبةً في تقطيع الوقت، لكنها هنـاك تعمــــــــل يومياً علـــى «الفان اكسبرس» لتحصيل عيشها. وهي المرأة الوحيدة بين سبعة عشر رجلاً ممن حوّلوا باصاتهم الصغيرة «مقاهي اكسبرس» لتقديم مختلف أنواع المشروبات ومكمّلات «الكزدورة» على الكورنيش البحري.
بعد قيامها بالأعمال المنزليّة صباحاً، تنتقل أم فراس عصراً إلى «عملها الثاني»، فتقود «الفان» المحمّل ببعض المأكولات وأدوات القهوة والذي تمتلكه لتصل إلى الكورنيش. هناك بالقرب من «زملاء المهنة» تحطّ رحالها، وتراعي في توزيعها الطاولات والكراسي مساحة محددة متّفقاً عليها بين الجميع بحيث يقسّم الكورنيش على أصحاب فانات الإكسبريس بالتساوي، ليبدأ العمل دون توقف حتى ساعات متأخرة من الليل...
أم فراس هي المرأة الوحيدة من بين اصحاب المقاهي المتنقّلة في مدينة صور، وهي لا تخفي اعتدادها بنفسها وبمهنتها فتستهلّ حديثها قائلة: «أنا أوّل امرأة نزلت إلى الكورنيش منذ ثماني سنوات، وعملت في مهنة الرجال هذه لأني أريد أن أعيش مع عائلتي بكرامة». تعمل ام فراس صيفاً وشتاءً وتبدّل دوام العمل في الشتاء ليمتدّ من الصباح إلى المساء، بينما صيفاً تعمَل حتى منتصف الليل وأحياناً «حتى الثالثة فجراً» وفي هذه الحالة يكون ابنها فراس برفقتها لمساعدتها، وهي «لا تخاف حتى لو تأخر الوقت» إن كانت وحدها.
تروي ام فراس بداية «قصتها مع الكورنيش» ومع اتخاذ قرار العمل خارج المنزل، وذلك بعد بحادثة تعرّض زوجها أبو فراس لأزمة صحيّة جعلته يبقى داخل المنزل، وهو ما دفعها الى العمل لإعالة أولادها الثلاثة. في البداية واجهت ام فراس مصاعب التأقلم مع «الوضع الغريب» الذي عاشت فيه لكونها المرأة الوحيدة بين رجال اعتادوا المهنة ومشقاتها، إضافة الى صعوبة التعامل مع مختلف انواع الزبائن والمارّة لأنها لم تعتد ذلك من قبل، لكن سرعان ما أثبتت جرأتها وشجاعتها في مواجهة ذلك، وهي تروي اليوم بفخر وابتسامة خجولة كيف «تصدّت مرّة لأحد أصحاب الفانات الذي حاول اخذ محلّها على الكورنيش».
«أحبّ أن آتي الى هنا كل يوم، لم أملّ الكورنيش والزبائن، ربما لأنهم باب رزقي الوحيد، لكني مثل باقي النساء، أريد أن أصبح ربّة منزل متفرّغة لتربية الأولاد والاعتناء بهم»، وتشرح أنها أحياناً لا ترى أولادها لوقت كاف إذ عندما تعود في الليل يكونون نائمين، «وهذا ما يحرق قلبها ويدفعها إلى تمنّي الحصول على مهنة اخرى». وتضيف ام فراس أن هذه المهنة علّمتها أمورا كثيرة، منها الجرأة والشجاعة وطول البال.
وعلى الرغم من مجاورتها للبحر منذ ثماني سنوات، تتمنى ام فراس أن تأتي الى الكورنيش يوماً ما زائرةً غير مضطرة للعمل عليه، «للكزدورة وشمّ الهوا بسّ»!