دبي ــ نور خالد

سوق الإعلانات على شبكة الإنترنت حققت تطوّراً مذهلاً في العالم، لكنّها تراوح مكانها عربيّاً. لماذا يتردّد المعلن في استعمال وسائط الترويج الإلكتروني، مع أن الفئة العمرية التي تستخدم المدوّنات هي شريحته المثالية؟

في الإسكندرية المصرية، سجن إسمه «الحضرة». هناك، استضافت السلطات الأمنية المغنّي الشعبي شعبان عبد الرحيم لـ«ينشد» للمساجين أغانيه الساخرة المنتشرة في الشارع المصري، مثل «خلاص شارون توفى وعقبال الأخ بوش». لكن مقابل هذا «الابتهاج» بشعبان، تعامل السلطات سجيناً شاباً هو عبد الكريم سليمان عامر بـ«لطف» أقلّ! اعتُقل عامر العام الماضي بعد استجوابه عن مقالات تنتقد النظام الحاكم في مصر نشرها على مدوّنته
http//blogspot.com.karam903. وبالطبع، تم «نزع» المدوّنة عن الشبكة العنكبوتية وصدر حكم بسجن عامر أربع سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي وإهانة الرئيس المصري. أخبار عامر تلقّفها الصحافيون وناشطو المنظّمات المدنية وأصدقاؤه وأيضاً... المعلنون!
تشير دراسات «مكتب غوغل في الشرق الأوسط» إلى أنّ 26 مليون عربي استخدموا الإنترنت عام 2006. هذه الأرقام ينظر إليها المعلنون بشهية مفتوحة. لكنّهم سرعان ما يصابون بالإحباط عندما ينظرون إلى النظام «التجسّسي» الذي تفرضه الأنظمة العربية على مواطنيها في مجال استخدام الإنترنت، ما يزيد من قلقهم تجاه دسّ رسائلهم في مواقع الإنترنت العربية. أضف إلى ذلك أنّ تقريراً حديثاً صدر هذا العام عن منظمة «المبادرة العربية لإنترنت حر» أشار إلى أنّ بين المواقع المئة الأكثر شيوعاً في العالم العربي، هناك عشرة مواقع إسلامية متشددة وعشرات المواقع الأخرى التي ترتبط بالدين أو بانتقاد السياسات النافذة. بالتالي، فالفرص المتاحة أمام المعلنين في وضع علاماتهم التجارية على شرائط برّاقة تجذب انتباه المتصفح، تبدو متضائلة ومحصورة في مواقع محددة يغلب على جزء منها الطابع الترفيهي وعلى الجزء الآخر الطابع الإخباري المجرد من أي موقف. إذ إنّ المعلن يحرص على عدم الربط بين منتجه وبين الصبغة السياسية أو العقائدية ويحرص على عدم وضع علامته التجارية تحت مجهر الرقابة. ولذلك قد يبدي مرونةً ما في توليف طرق إعلانية خاصة، تستفيد من شعبية تلك المواقع لكنّه يصطدم غالباً بواقع حجبها.
وعلى رغم أن 81 في المئة من مستخدمي الإنترنت في الخليج يتركزون في السعودية والإمارات حسب أرقام مركز «مدار للأبحاث والنشر» الذي يتخذ من دبي مقراً له، فإن حجم الإنفاق الإعلاني المخصص من الشركات في المنطقة لـ«الأون لاين» لا يرقى إلى 0.43 في المئة من حجم الإنفاق الإعلاني الكلّي الذي قدّره «بارك» (المركز العربي للبحوث) بـ 2.55 مليار دولار أميركي عام 2005، استقطبت الصحف حصة الأسد منه، تلتها المجلات فالتلفزيون. وبسبب الرقابة المفروضة، يخسر الإعلان الإلكتروني الكثير من فرصه للإفادة، ليس من الفرص الإعلانية فحسب، بل من فرص «طفرة» الإنترنت التي تعيشها دول الخليج تحديداً. فمعدل النفاذ إلى الإنترنت في الإمارات مثلاً يصل إلى 38 في المئة وهو معدل يزيد على متوسط معدلات النفاذ في دول أوروبا والذي يقدر بـ 36 في المئة.
وفي الوقت الذي سجّلت فيه الإمارات أكبر نسبة نمو في مجال اشتراكات خدمات الإنترنت السريع، إذ وصلت إلى 12.9 في المئة، إلا أنّ الحكومة الإماراتية لا تزال تمارس سياسة الحجب، وموقع «الحوار المتمدن» خير مثال على ذلك. إذ مُنع في السعودية والإمارات وتونس والبحرين، على رغم عدم تضمنه أي إساءة أو دعاية موجهة ضد أي حكومة. وجلّ ما يحويه دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير وحقوق الأقليات والمرأة. لكن هل كانت مثل هذه المواقع لتكون «مصيدة إعلانية» بأي حال؟
رودريك بهرنس خبير تسويقي في شركة «باور براند» المتخصصة في تعزيز تأثير العلامات التجارية في دبي يقول إنّه «حتى وقت قريب، كان المعلن يتحاشى دسّ رسالته التجارية في بيئة تخدم قضايا ذات طابع سياسي موجّه أو إشكالي، إلا أن الفئة العمرية التي تتردد على مثل هذه المواقع هي شريحة مثالية للمعلن. ومن المعروف أن 65 في المئة من سكان المنطقة العربية يتمتعون بمعدلات عمرية تقل عن 30 سنة». ويعطي مثالاً آخر على التأثير السلبي لسياسات الحجب على «شهية» المعلن تجاه مواقع الإنترنت: «حين منعت السلطات السورية، قبل عامين، مواطنيها من الوصول إلى مواقع خدمات البريد الإلكتروني مثل ياهو وهوتميل ومكتوب، كان ذلك لإجبار المواطن على استخدام البريد الإلكتروني الذي تقدمه شركات التزويد المحلية والتي تسهل مراقبتها». ويضيف «لذلك، سيكون منطقياً ألّا يُقبل المعلنون على طريقة الإعلان بواسطة رسائل البريد الإلكتروني أو استخدام إعلان محرّك البحث».